صعَّدت الحكومة العراقية، الأحد 15 أكتوبر/تشرين الأول 2015، من لهجتها، متهمةً الأكراد بالسعي "لإعلان الحرب"، مع وجود عناصر من حزب العمال الكردستاني في كركوك، الذي تعتبره أنقرة وواشنطن منظمة "إرهابية".
وأعلن المجلس الوزاري للأمن، برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي في بيانٍ، أن وجود "مقاتلين" هو "تصعيد خطير" و"إعلان حرب"، وحذَّر من "عناصر مسلحة خارج المنظومة الأمنية النظامية في كركوك (…)، وإقحام قوات غير نظامية، بعضها ينتمي إلى حزب العمال الكردستاني التركي".
واعتبر ذلك "تصعيداً خطيراً لا يمكن السكوت عنه، وأنه يمثل إعلانَ حرب على باقي العراقيين والقوات الاتحادية النظامية".
واتَّهم المجلس القوات "التابعة لإقليم كردستان" بأنها "تريد جرَّ البلاد إلى احتراب داخلي، من أجل تحقيق هدفها في تفكيك العراق والمنطقة، بغية إنشاء دولة على أساس عرقي".
وأكد أن "الحكومة الاتحادية والقوات النظامية ستقوم بواجبها في الدفاع (…) عن سيادة العراق ووحدته، بالتعاون مع المجتمع الدولي".
إلا أن مسؤولين أكراداً نفوا وجود حزب العمال الكردستاني في كركوك، في حين أشار أحدهم إلى وجود "متعاطفين" مع هذا الفصيل.
وقال الأمين العام لوزارة البشمركة، جبار ياور لوكالة الأنباء الفرنسية: "لا توجد قوات لحزب العمال الكردستاني، لكن هناك بعض المتطوعين الذين يتعاطفون معه".
مطالب بإلغاء الاستفتاء
ويأتي ذلك بعد أن أعلن قادة الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، الأحد 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017، رفض الشرط الذي تضعه حكومة بغداد للتفاوض مع أربيل لمعالجة الأزمة، والمتمثِّل في إلغاء الاستفتاء حول استقلال الإقليم.
واجتمع قادة الحزبين الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني في منتجع دوكان، الواقع في محافظة السليمانية.
واستمرَّ الاجتماعُ أربعَ ساعاتٍ، وجمع قادةً بينهم الرئيس العراقي فؤاد معصوم عن الاتحاد الوطني الكردستاني، ورئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني.
وأكد البيانُ الختامي أن "القوى الكردستانية لديها استعداد كامل للحوار بدون شرط، على أساس المصالح بين بغداد وأربيل، ووفقاً لمبادئ الدستور".
وكرَّر العبادي شرطَ حكومته بإلغاء الاستفتاء الذي أُجري بهدف استقلال الإقليم، في 25 سبتمبر/أيلول 2017، لفتح باب الحوار لمعالجة الأزمة.
لكن "الاجتماع أصرَّ على معالجة جميع المشكلات بالحوار، وبدون شرط"، وفقاً للبيان.
وطالب "المجتمعون أن تكون المفاوضات بين الإقليم وبغداد بمشاركة جهات دولية لمراقبة عمليات المفاوضات"، معتبرين أن ذلك "من مصلحة الجميع والقوى السياسية في العراق وكردستان"، وفقاً للبيان.
كما أشار البيان إلى أنَّ "التدخلات العسكرية أو تحريك القوات أو التهديد والوعيد ستؤدي إلى مزيد من الخوف على العلاقات بين الإقليم وبغداد، وهذه التدخلات ستشكل تهديداً لأي جهد جديٍّ لحل المشكلات بطرق سلمية".
انتشار عسكري
وتواصل قوات الحكومة المركزية الانتشارَ في مناطق واسعة في محافظة كركوك، المتنازع عليها، بمواجهة قوات البشمركة الكردية، دون مواجهات.
وساءت العلاقات بين الإقليم وبغداد، بعد إجراء الاستفتاء الذي رفضته بغداد، ويؤكد العبادي أنه لا يريد حرباً ضد الأكراد.
وكان الأكراد والحكومة العراقية أعلنوا، الأحد، منحً أنفسهم مهلة 24 ساعة لمعالجة الأزمة عبر الحوار، تجنباً لمواجهات عسكرية بين الطرفين اللذين يواصلان حشد قواتهما العسكرية في محافظة كركوك الغنية بالنفط.
وذكر عبد الله عليوي، أحد مستشاري معصوم، أن الرئيس العراقي سيقدم "مشروعاً" دون مزيد من التفاصيل، مكتفياً بالقول إن الرئيس يعتمد "على الحوار من أجل تجنب الصراع والعنف".
وفيما يحاول المسؤولون السياسيون استئناف لغة الحوار، يواصل آلاف المقاتلين الأكراد وآخرون من قوات الحكومة الانتشار بمواجهة بعضهم البعض في مناطق كركوك.
وشاهد أحدُ مصوري وكالة الأنباء الفرنسية في ساعة مبكرة، من صباح الأحد، قواتٍ عراقيةً تواصل حشدَ مقاتليها في مواقع مواجِهة لقواتٍ من البشمركة، لم تبرح مواقعها.
وتطالب الحكومة المركزية الإقليم بتسليمها المواقع التي سيطر عليها الأكراد خلال أحداث عام 2014.
وحينها، اغتنمت البشمركة الكردية انهيار القوات الاتحادية خلال الهجوم الواسع الذي شنَّه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وسيطر خلاله على مساحات واسعة من العراق، لتفرض سيطرتها بالكامل على مدينة كركوك وحقول النفط في المحافظة.
وما لبثت سلطات إقليم كردستان أن حوَّلت مسار الأنابيب النفطية في كركوك إلى داخل الإقليم، لتصدير الذهب الأسود بدون موافقة بغداد. كما سيطرت على مناطق أخرى في محافظات مجاورة.
مدنيون يحملون السلاح
لكن يبقى الهاجس الأكبر لدى السياسيين والأهالي وحتى المقاتلين هو فشل لغة الحوار، والاحتكام إلى قوة السلاح.
وليل السبت الأحد، احتشد مدنيون أكراد في مدينة كركوك، حاملين السلاح، فيما حذَّر المحافظ نجم الدين كريم، الذي أقالته بغداد بعدما أعلن الولاء لسلطات الإقليم التي أبقته في منصبه، من أن "السكان سيساعدون البشمركة (…)، لن ندع أي قوة تخترق مدينتنا".
وتشدد بغداد على أنها لا تريد "شنَّ حرب"، وتؤكد أنه من "واجب" قواتها أن تستعيد سيطرة الحكومة المركزية على مناطق انتشار البشمركة، التي تأتمر حصراً بأوامر السلطات الكردية.
وتعيش الحكومة العراقية مصاعبَ اقتصادية منذ انخفاض أسعار النفط، الذي يشكل المورد الرئيسي لميزانية البلاد التي تقاتل منذ ثلاث سنوات ونيّف تنظيمَ الدولة الإسلامية.
وتريد بغداد استعادةَ السيطرة على 250 ألف برميل يومياً، تُنتج من ثلاثة حقول في كركوك، هي خورمالا الذي يسيطر عليه الأكراد منذ عام 2008، وهافانا وباي حسن اللذان سيطروا عليهما بعد عام 2014.
وفي الوقت ذاته، فإن إقليم كردستان الذي يشهد أسوأ أزمة اقتصادية يرى في فقدانه هذه الحقول خسارةً لا تحتمل، كونها تنتج 40% من صادراته النفطية.
على صعيد آخر، نفت طهران ما أعلنه مسؤول كردي من أنها أغلقت الأحد ثلاثة معابر حدودية مع كردستان العراق.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي: "ليس هناك أي قرار جديد" يقضي بإغلاق المعابر مع الإقليم الكردي.
وأضاف أن "الحدود البرية مفتوحة مع إقليم كردستان العراق، وفقط حدودنا الجوية مغلقة (منذ 24 سبتمبر/أيلول) بطلب من الحكومة المركزية العراقية".
وكان مسؤول كردي أكد في وقت سابق الأحد، أن طهران أغلقت ثلاثة معابر مع الإقليم، تُستخدم لعبور الأشخاص والبضائع.