العقل الباطن الجمعي

يتفق علماء النفس على أن للإنسان جانباً ظاهراً من السلوك يحكمه عقله الواعي، وهذا الجانب قد يبدو غريباً أو متناقضاً أو غير مفهوم إذا نظرنا إليه وحده مقطوع الصلة عن جذوره الكامنة فيما يسمى بالعقل الباطن (اللاشعور)، الذي اختزنت فيه الذكريات، والأماني، والرغبات، والمخاوف، والدوافع والحاجات، فشكلت قوة مستترة ولكنها هائلة التأثير على السلوك الظاهر للفرد.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/20 الساعة 01:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/20 الساعة 01:58 بتوقيت غرينتش

يتفق علماء النفس على أن للإنسان جانباً ظاهراً من السلوك يحكمه عقله الواعي، وهذا الجانب قد يبدو غريباً أو متناقضاً أو غير مفهوم إذا نظرنا إليه وحده مقطوع الصلة عن جذوره الكامنة فيما يسمى بالعقل الباطن (اللاشعور)، الذي اختزنت فيه الذكريات، والأماني، والرغبات، والمخاوف، والدوافع والحاجات، فشكلت قوة مستترة ولكنها هائلة التأثير على السلوك الظاهر للفرد.

وقد امتد هذا الأمر ليشمل الجماعة فثمة ما يطلق عليه العقل الباطن الجمعي (اللاشعور الجمعي)، وهو يحوي أرشيفاً لتاريخ الأمم والجماعات يؤثر بوعي أو بدون وعي في طرق تفكيرها ووجدانها وسلوكياتها، وبدون هذه المنطقة الكامنة في أعماق النفس يصعب فهم الكثير من سلوكيات البشر، أفراداً وجماعات؛ لأن سلوكياتهم حينئذ ستبدو كقطاعات عرضية في فروع شجرة مدفونة في الرمال لا نرى جذرها؛ لذلك تبدو لنا أجزاء هذه الفروع في تعدديتها وتناثرها، وكأنه لا يوجد بينها رابط، أما إذا أزلنا الرمال ووصلنا لجذر الشجرة، فإننا نرى تسلسل الفروع منها بشكل منطقي ومنظم ومفهوم.

من هنا تأتي أهمية "التفسير السيكولوجي للتاريخ" في قراءة وتفسير سلوك البشر أفراداً وجماعات، فقد فطن المؤرخون إلى أهمية توظيف علم النفس في دراساتهـم وأبحاثهم التاريخية، ففي مقال له حول "تاريخ الذهنيات" أوضح المؤرخ الفرنسي Georges Duby جورج دوبي 1919 – 1996 أهـمية توظيف منهج التحليل النفسـي في الدراسات التاريخية، والفائدة العلمية الكبـيرة التي يحرزها البحث التاريخي بفضله.

لقد أدرك المؤرخون أهمية علم النفس الاجتماعي فـي تفسـير وتحليل كثير من الوقائع والأحداث التاريخية كتاريخ: العادات والتقاليد، والطقوس والأفراح والأعيـاد، والحروب والصراعات الأهلية والطائفية والثورات الاجتماعية… إلخ، وذلك مـن خلال محاولة كشف اللاشعور الجماعي في مجتمع ما.

إن الوقائع التاريخية هي في جوهرها سلوكيات فردية وجماعية، وعليه فهي نتاج بنية نفسية تعكس في جوانب كثيرة، منها المكبوتات الداخلية للمجتمع التي تحتفظ بها الذاكرة الجماعية.

والحقيقة فإن اعتماد المؤرخين المعاصرين على المقاربة السيكولوجية في الكتابة التاريخية الحديثة ساعدهم كثيراً في توجيه تفكيرهم نحو مجالات مغمورة، وطرحوا أسئلة جديدة لم يكن من الممكن طرحها لولا الآفاق الجديدة والواسعة التي فتحها توظيف مناهج التحليل النفسي في البحث التاريخي الحديث.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد