"4 ساعات في الظلام مقابل ساعتين في النور"، هذا هو واقع الحياة اليومية في العاصمة السورية دمشق مع استمرار انقطاع الكهرباء بشكل يومي وفق برنامج تقنين حاد دفع الناس للبحث عن حلول تخفف عنهم وطأة الظلام وتساعدهم على ممارسة عملهم.
التقنين في دمشق يشمل كافة المناطق السكنية منها والتجارية، وبالنسبة للأخيرة يشكل همّاً حقيقياً؛ لأن أصحاب المهن مضطرون للتوقف عن العمل ريثما تأتي الكهرباء أو لتشغيل مولدات مقابل مبالغ كبيرة من المال تُنفق على البنزين والمازوت.
"وسيم سكر"، حلاق نسائي، واحد من ملايين يعانون في العاصمة من هذه الأزمة، وإن كان حظه أفضل من غيره بسبب طبيعة المكان الراقي الذي يوجد فيه صالونه، إذ تُقطع الكهرباء 5 ساعات فقط في اليوم، ولتجاوز هذه الأزمة يعتمد على مولد يستهلك منه شهرياً مبلغاً يتجاوز 35 ألف ليرة سورية.
لا يمكن طلب أكثر من ذلك!
سكر يوضح لـ"عربي بوست" أنه يضطر لتكبّد هذه التكاليف وحده؛ لأنه ومع ارتفاع تكاليف الحياة قام بزيادة الأسعار في محله على 3 مراحل، ولكنه اليوم لم يعد قادراً على طلب الزيادة من الزبائن كما لا يمكنه أن يضع تكاليف المولد على حساب الزبائن المتواجدين خلال تشغيلها بحكم طبيعة صالونه الذي يعتبر 5 نجوم، لهذا يضطر للتقنين في استخدام المولد وإطفائه عند القيام بأمور لا تحتاج لكهرباء.
ولا ينكر وسيم العذاب الذي يعانيه لتأمين المازوت، فهو يضطر للتفرغ يوماً كاملاً لهذه المهمة، ويبحث بين عدة "كازيات" ليتمكن من الحصول على المازوت بسعر السوق السوداء مع إكراميات للعاملين في الكازية.
وتظهر المعاناة بشكل أكبر عند فادي خوري وهو أيضاً حلاق نسائي، فالتيار الكهربائي في مكان عمله ينقطع 4 ساعات مقابل ساعتين كبقية المناطق، ويعتمد على المولد لمتابعة عمله، الأمر الذي يكبده 120 ألف ليرة سورية شهرياً، يضطر لتحصيلها من حساب الزبائن من خلال رفع أسعاره خلال فترة التقنين بحدود 300 ليرة، خاصة أن عدد الزبائن يزداد خلال فترة التقنين.
ومن لم يتمكن من شراء مولد بسبب ارتفاع سعره بشكل كبير يضطر لإيقاف العمل خلال فترة انقطاع الكهرباء، الأمر الذي يسبب ضعفاً في الإنتاجية وانخفاضاً في ساعات العمل الفعلية، وبالتالي زيادة في الأسعار.
ويقول أحمد مارديني، صاحب محل لكيّ الملابس، إن طبيعة عملهم تحتاج للكثير من الكهرباء، وإن استخدام المولد يصبح غير مجدٍ؛ لهذا يضطرون للتوقف عن العمل عند انقطاع التيار ما ينتج عنه تراكم العمل وبطء في الإنتاج، وبالضرورة زيادة في أسعارهم لتخفيف الخسارة.
من بداية الأزمة وحتى اليوم لم تجد الحكومة السورية حلاً لأزمة الكهرباء، وبقيت هذه المشكلة همّاً يضاف لهموم المواطن، وعبئاً اقتصادياً كبيراً يحتاج لميزانية شهرية من قبل الناس العاديين وأصحاب المهن.
الأزمة تصل للعيادات
لم يسلم الأطباء من أزمة التقنين، ولتجاوز الأمر استخدم بعضهم إضاءة "LED" أو البطاريات التي توفر القليل من النور، وهو حل غير مجدٍ بسبب طبيعة البضائع الموجودة في السوق فهي قصيرة العمر، وتحتاج للتغيير بشكل مستمر، كما أنها بسبب ساعات الانقطاع الكبيرة لا تتمكن من الشحن للوقت الكافي.
كما أن حلول الإضاءة هذه ليست مجدية بالنسبة للجميع خاصة لأطباء الأسنان ممن يحتاجون في مهنتهم للكهرباء بشكل كبير، ويوضح الدكتور محمد سلامة أنه يستخدم المولد لممارسة عمله، وهو يستهلك في الساعة 500 ليرة يتحمل تكاليفها بنفسه؛ لأنه ما عاد قادراً على طلب الزيادة من المرضى بسبب الزيادات المتعددة السابقة، موضحاً أن الأسعار تضاعفت 10 أضعاف تقريباً والأطباء زادوا أسعارهم بحدود 3 أو 4 أضعاف فقط، ولتخفيف من حدة الاستهلاك يعمد لإطفاء المولد وتشغيله عند الضرورة.
ويوضح الدكتور سلامة أن مشكلتهم لا تقتصر على التكلفة فقط، وإنما على حياة الأجهزة الطبية، فكثرة انقطاع التيار وعودته تسبب مشاكل للأجهزة، كما أن التيار الكهربائي الناتج عن المولد غير جيد، وقد يكون خطراً على هذه الأجهزة ويسبب أعطالاً فيها قد تلحق خسارة كبيرة للطبيب.