في أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً لم تمر سنة واحدة دون أن نرى حدثاً يتسبب في إطفاء ظاهرة "الإسلاموفوبيا" على السطح، فمن مسألة النقاب إلى الحجاب، وصولاً إلى البوركيني الذي (شخصياً) عرفت به حديثاً كلباس السباحة الشرعي الخاص بالمرأة المسلمة.
وكمسلم سوري كنت قد زرت سواحل بلادي قبل الحرب، أي قبل 6 سنوات مضت، ولم أشاهد البوركيني!
في الحقيقة نحن لا نشتري ألبسة خاصة للسباحة، وإذا صدفت وذهبنا إلى البحر فكل يسبح بما يريد أن يرتدي، فترى بعض النساء يرتدين الشورت، وبعضهن البيجامة، وبعضهن يرتدين البكيني، وبعضهن يسبحن بالعباءة أو بالجلابية.
لم أكلّف نفسي عناء التفكير بهذه القضية، أو لماذا يجب أن يكون هناك زيَّ خاص بالبحر وآخر خاص بغير البحر، فتلك رفاهية لا يمتلكها (90%) من سكان الوطن العربي.
وأسأل نفسي: هل تعرف فرنسا أن هذا البوركيني لو ارتدته المرأة على سواحل الفرات في الرقة لعاقبتها عليه الشرطة الدينية (الحسبة) التي تتبع لـ"داعش"، تماماً كما تفعل السلطات التي تعاقبها لو رأتها بذات اللباس على شواطئ فرنسا (مع اختلاف الأسباب هنا).
وأسأل نفسي: كم هنّ عدد النساء اللائي يرتدين هذا البوركيني؟
في الحقيقة ليس هناك إحصائية رسمية، لكنني أتوقع أنهنّ لا يتجاوزن المئات بل وربما العشرات.
إذن ما الذي يدفع فرنسا (بلد الحريات) إلى أن تنقض أهم قيمها التي تقوم عليها وهي (الحرية)، وذلك من أجل زي للسباحة يرتديه أقل من ما نسبته 1% من مجموع سكان البلاد، وذلك لساعات لا تتعدى ساعات وقت السباحة!
هذا السؤال الأخير لا تفسير له سوى تفسير واحد، هو أن تبقى مشكلة الإسلاموفوبيا طافية على السطح، تطفو ببوركيني أم بغير البوركيني المهم أن تظفو، والمهم أن لا تخمد ظاهرة الإسلاموفوبيا هذه.
لكن ما الذي سيصل لذهن المتلقي الغربي من هذه الزوبعات الفنجانية البوركينية؟
قبل أن يفكر بأنه مجرد لباس وحرية شخصية، سيصله بأن هؤلاء المسلمين دائماً ما يثيرون المشاكل ويتعمدون الاختلاف، وبالتالي يدمرون مجتمعنا ثقافياً ودينياً، بل وربما جسدياً، وبذلك تحقق زوبعة البوركيني أهدافها.
لكنني أبشركم هنا، ستنتهي قضية البوركيني هذه التي شغلت الرأي العام الغربي، ستنتهي إلى غير رجعة، ربما بعد أسابيع أو شهور قليلة، لكن ستطفو على السطح قضية أخرى تشبه قضية البوركيني، ربما قضية الطعام الحلال، أو ربما قضية أخرى لكنها قضية تشبه قضية البوركيني هذه، وستزورنا كل سنة مرة ولن تنسانا (بالمرة)، أي لن تنسانا نهائياً طالما أن هذا الخطاب السياسي المعادي للمسلمين موجود ومسموح ومبرر في هذه الدول، وطالما أنه لا توجد قوانين تجرّم هذا الخطاب أو تجرّم (معاداة الإسلامية) على غرار القوانين التي تجرّم معادات السامية!
وإلى ذلك الحين دعونا نسبح لكن دون شواطئ، ونلجأ من ظلم حكّامنا لكن دون حقوق، ونستمع لفيروز تغني (زوروني كل سنة مرة.. حرام.. تنسوني بالمرة).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.