الحقيبة ثقيلة جداً أثقلت كاهلي، أتعبتني كثيراً، تخيل أن هذه الحقيبة على رغم ثقلها ورغم أنك ستتعب عند حملها، تخيل أنها مليئة بالآمال تخيّل أنك تحمل بها سعادة للآخرين، تخيَّل معي تلك الحقيبة الجميلة الزاهية الألوان التي اشترتها حبيبتك لتسافر بها، وأنت تراها تسحب خلفها الحقيبة، أتراك تصبر أن تدعها حاملة هذا الثقل على كاهلها، وأنت الذي حملتها في قلبك وعقلك؟
أتراك تتركها مليحة الوجه وحسنة العينين وأن يتصبب جبينها عرقاً؟ أو أن يسيل كحل عينيها؟! أيرضيك ذلك وهي التي قتلتك من قبل بعيونها؟ وكنت تتذكر دائماً قول الشاعر:
إن العيون التي في طرفها حور ** قتلننا ثم لم يُحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ** وهن أضعف خلق الله إنسانا
الست التي كنتَ تقول لن أدعها تتعب كثيراً، لن أرى على وجهها الحزن ما حييت، لن أراها يائسة ما دامت على مقربة منّي، ألست الذي كنت تغار أن ينظر أحد إليها أو أن يسمع أبوها وأمها حديثها المنعم وكنت تتغنى بقول أحدهم:
أغار عليها من أبيها وأمها إذا حدثاها بالكلام المنعم.
بل وكنت تحسد الكاسات التي يقبلن ثغرها:
وأحسد كاسات يقبلن ثغرها ** إذا وضعتها موضوع اللثم بالفم
لا أدري ما الذي جعل هذه الكلمات تجول في عقلي أو تأسر قلبي ربما لأنني عشقت الجمال، بل أصبحت هائماً بكل ما يدعوني للوقوف صامتاً أمام حضرة الجمال.
متذكراً قول صديقي الذي لم أعاصره، بل اطلعت على شعره، وكأن شعره قواعد خالدة تتلى في حضرة كل جمال:
فإذا وقفت أمام حسنك صامتا ** فالصمت في حرم الجمال جمال
وهو يعلم أن كثرة الوصف والبلاغة والمبالغة في مدح الأشياء قد يفسد هيبتها، فلهذا اختطّ قاعدة من قواعد التأمل بالجمال أن تقف صامتاً في حضرته غير متكلم بشيء؛ لأن:
كلماتنا في الحب تقتل حبنا ** إن الحروف تموت حين تقال
أجل يموت الحب إذا أعلن على الملأ، فقد يحسدك الذين ما اجتمعوا بمن يحبون، يموت الجمال إذا أعلن على الملأ؛ لأن الذي ترك كل جميل خلفه سيحسدك لا محالة.
يموت الحلم إذا صرح به، ويموت العشق إذا جهر به، فما كل الذين حولك يحلمون كما تحلم أو يفهمون الأحلام كما تفهم، وكل الذين يهيمون بالعشق وأحاديث الغرام يهيمون بها كما تهيم.
لقد قالها صريحة ذاك الشاعر:
أَمَا والذي أَبكَى وأَضحَكَ ** والذي أَماتَ وأَحيا والذي أَمرُه الأَمرُ
لقد تَرَكَتنِي أَغبِطُ الوَحشَ** أَن أَرى أَلِيفَينِ منها لا يَرُوعُهما الزَّجرُ
صرح بها جهاراً فهو يغار أن ** يرى أليفين لا يروعهما الذعر
نعود إلى الحقيبة.. حقيبة الدراسة لا تنفع، وحقيبة السفر لا تنفع، كلها لن تضيف لك شيئاً، إن لم يكن مع كراسات الدراسة والأقلام أحاديث الحب والهيام، وإن لم يكن مع الملابس وأدوات السفر أحاديث العشق والغرام، وإن لم يكن مع تذكرة السفر تذكرة حرية وسلام..
راجع استعداداتك للسفر، فالحقيبة ينقصها الكثير، والحياة قليل من الحب يُحييها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.