لم تكن العلاقة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان (56 عامًا)، ولي عهد أبوظبي، والأمير محمد بن سلمان (31 عامًا)، ولي العهد السعودي الجديد، خافية على المتابعين والمعلقين بمجرد تولية الأخير منصب ولي ولي العهد، لكن سلسلة الإجراءات الأخيرة سلطت الأضواء على طبيعة هذه العلاقة، والدور الذي لعبه بن زايد في تنصيب صديقه وليًا لعهد كبرى دول المنطقة. هذا التقرير يبحث في العلاقة، ربما، الأبوية، التي تربط بين بن زايد وبن سلمان.
بُعيد ظهر الثامن من يناير عام 2003، جمعت طاولة غداء بين دبلوماسي بوزارة الخارجية الأمريكية يُدعى ريتشارد هاس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة، قال فيها الأخير في معرض حديثه عن وزير الداخلية السعودي: "نايف بن عبدالعزيز؟ هذا الرجل، بأسلوبه المتلعثم، يذكرني دومًا بأن داروين كان على حق حول أصل الإنسان!".
لم تكن الإهانة التي تلقاها الأمير نايف من الشاب الإماراتي الذي يصغر ابنه محمد بعام واحد، إلا تدشينا لعداوة "شبه معلنة" بين بن زايد وهذا الفرع من آل سعود. لاحقًا، عندما تم تسريب الحوار عبر ويكيليكس، كان نايف بن عبدالعزيز لا يزال وزيرا للداخلية، لكن محمد بن زايد كان قد أصبح وليًا لعهد أبوظبي ورجلها الأول الذي يسعى لرسم سياسات المنطقة لسنين قادمة.
بعد عشرة أعوام من هذا التسريب، بدا أن محمد بن زايد قد نجح تمامًا في إقصاء آخر أبناء "نايف" الأقوياء، ولي العهد محمد بن نايف، لصالح أمير جديد صغير قليل الخبرة صُنع على عينه: محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
يحتفظ محمد بن زايد بنفسه بعيدًا عن الأضواء لكنه يجيد التحرك في الكواليس، فالرجل الذي تخرج من أكاديمية ساندهيرست العسكرية البريطانية المرموقة، كان أول الحكام الخليجيين، الذين يبادرون بإيلاء الأمير الصغير محمد بن سلمان الجدية التي يطمح إليها. صحيفة نيويورك تايمز وصفت علاقتهما بأنها تشبه علاقة الأستاذ بتلميذه، ينظر فيها بن سلمان بعين الإجلال إلى بن زايد.
تجربة دبي كانت إحدى التجارب الملهمة لمحمد بن سلمان، فالشاب الذي كانت تطول فترات إقامته في دبي قبيل تولي والده حكم المملكة، كان ينظر لتجربتها باعتبارها نموذجًا يحتذى، وعلى الرغم من أن محمد بن زايد يتولى حكم أبوظبي، الأكثر محافظة والاقل بهرجة معماريا، إلا أن موقف الرجلين يكاد يكون متطابقًا تجاه الليبرالية الاجتماعية، والعداء للإسلام السياسي، وللتحول الديموقراطي بشكل عام، ولا سيما في منطقة الخليج.
جاءت أولى محطات الدعم العلنية من بن زايد بعد شهرين فقط من تعيين بن سلمان وليًا لولي العهد، حيث شارك الشاب الذي لم يكن قد بلغ الثلاثين حينها، مع ابن عمه، ولي العهد محمد بن نايف، وقادة دول الخليج في قمة أمريكية خليجية بكامب ديفيد. تحدثت مصادر المغرد السعودي مجتهد حينها عن اهتمام خاص من محمد بن زايد بمحمد بن سلمان، الذي أعلن عن موقف مقارب لموقف محمد بن زايد من أولوية مكافحة الإرهاب على الإطاحة بنظام الأسد في سوريا.
كذلك تحدث مجتهد، الذي أثبتت العديد من تغريداته دقتها، والذي يعتمد على ما يبدو على معلومات من داخل الديوان الملكي، عن أن ابن زايد كان قد بدأ قبل ذلك توثيق اتصالاته مع ابن سلمان من خلال الإعلاميين المقربين من كليهما، ومن بينهم عادل الطريفي وزير الإعلام السعودي حينها، وعبد الرحمن الراشد المدير السابق لقناة العربية وتركي الدخيل الإعلامي السعودي والمدير الحالي للقناة نفسها، ومدير مركز المسبار البحثي الإماراتي الذي يعمل لصالح أجهزة أمنية في أبو ظبي.
معلومات مجتهد، التي لم تتحقق منها "عربي بوست"، تعضدها العديد من المصادر الأخرى؛ ففي يونيو من العام الماضي، نقلت مصادر صحفية عن مسؤولين سعوديين قولهم إن خطة سرية إماراتية تم البدء فيها من أجل تقديم أوراق اعتماد محمد بن سلمان للولايات المتحدة كملكٍ جديدٍ للسعودية.
ووفقًا لأحد المصادر، فقد نصح محمد بن زايد تلميذه محمد بن سلمان بإنهاء دور المؤسسة الوهابية في المملكة، وذلك لينال قبول الأمريكيين في دعمه للوصول إلى الحكم، كما أخبره بتوطيد العلاقات بينه وبين إسرائيل من أجل أن يصبح مرشح واشنطن المفضل لتولي عرش السعودية القادم.
لم يكن الكشف عن الرغبة الإماراتية بتولية بن سلمان مفاجأة لدى المحللين السياسيين، بقدر ما جاءت نصيحة تقوية علاقاته بإسرائيل. فعلى الرغم من تعاون الرياض وإسرائيل في السنة الماضية لتعطيل الاتفاق النووي الإيراني، إلا أن الرياض لم تعترف بعد بإسرائيل، ولا توجد أي روابط رسمية بين الرياض وتل أبيب.
ويبدو أن محمد بن سلمان قد استمع بالفعل لنصائح أبوظبي إلى الحد الذي جعل صحيفة هآرتز الإسرائيلية تخرج بمقال بُعيد ساعات فقط من الإعلان عن الإطاحة بمحمد بن نايف، مصدرة إياه بأن "صعود بن سلمان خبر سعيد لإسرائيل".
النصائح الإماراتية كانت تأتي باستمرار، إذ تعددت لقاءات محمد بن زايد بمحمد بن سلمان خلال العامين الأخيرين، سواء في السعودية أو في الإمارات، أو على هوامش المؤتمرات الدولية. هذه النصائح قادت محمد بن سلمان ليظهر كشخصية عامة في الإعلام الدولي، إذ سعى لتقديم نفسه باستمرار وبشكل متجدد بصفته خبيرًا بالعديد من الملفات، سواء في العلاقات الدولية، أو في الميدان العسكري، أو في الاقتصاد أو حتى في الإصلاح الديني، ليظهر ابن سلمان بصورة عامة تشبه دبي ببهرجتها وضجيجها أكثر مما تشبه الرياض بطبيعتها الهادئة المحافظة.
تحالف بن زايد وبن سلمان يبدو أكثر وضوحًا في مواقفهم المشتركة تجاه الوضع المتأزم في مصر، وفي التقارب حول الوضع السوري، ويظهر أكثر ما يظهر في تنسيق الهجوم ضد قطر، والحصار الذي فُرض عليها.
الرغبة الإماراتية بإعطاء مقاليد المملكة للأمير الصغير لتجنب وصول الحكم إلى الخصم محمد بن نايف حفزت أبوظبي للعمل على كل الأصعدة، والدبلوماسية كانت مسرحًا بدت فيه كفاءة أبوظبي. ففي الحادي والعشرين من أبريل الماضي، وتحديدًا في التاسعة وعشر دقائق مساء بتوقيت واشنطن، أرسل السفير الإماراتي يوسف العتيبة رسالة إلى الصحفي دافيد إغناتيوس بصحيفة واشنطن بوست، والذي كان قد قابل محمد بن سلمان في اليوم السابق، قائلًا فيها: "أشكرك على توفير الوقت للقاء محمد بن سلمان، … أعتقد أنك الآن ترى ما نراه ونحاول إيصاله طوال الوقت: التغيير الذي يمثله محمد بن سلمان… مصداقيتك مهمة لنقل هذه الرسالة وإقناع العقلاء بها … أما نحن، فمهمتنا: أن نفعل كل ما هو ممكن لكي ينجح محمد بن سلمان".
أربعة عشر عامًا فصلت بين حوار بن زايد مع ريتشارد هاس ورسالة يوسف العتيبة إلى دافيد إغناتيوس، أربعة عشر عامًا استطاع فيها محمد بن زايد ترتيب البيت الداخلي لآل سعود، مقدمًا للمملكة تلميذه المخلص وللعائلة زعيمها الجديد: محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، من يدري -ربما ليكون هو الحاكم الحقيقي للسعودية من وراء الكواليس!.