لا يخفى على أحد يعيش في كوريا الجنوبية أن الكوريين يعشقون الثوم، فأكثر رائحة يشتكي منها السياح فور وصولهم كوريا، بالأخص في الأماكن المغلقة، هي انتشار رائحة الثوم، وللعلم فإن الكوريين لا يعتقدون أن رائحة الثوم كريهة، بالعكس هم يعتبرونها رائحة لذيذة جداً.
وعشقهم هذا يتجسد في وجباتهم، فالثوم النيء دائماً ما يقدم مع الوجبات أو يوضع على البيتزا أو في خلطات الدجاج المقلي، فهم أكثر شعوب الأرض استهلاكاً للثوم، أكثر من جيرانهم في الصين واليابان، والشعب الياباني دائماً ما يسخر من الكوريين ويسمونهم "آكلي الثوم".
والوضع ليس مقصوراً على الاكل فقط، فهناك متحف كامل مخصص للثوم في مدينة namhae.
بعيداً عن أن الكوريين يؤمنون بأن الثوم يطهر الدم، وأنهم يؤمنون أنه محفز جنسي، وأنه يعطي للبشرة نضارة وإشراقاً، فالثوم في كوريا له أصول في الأساطير الكورية القديمة، ففي أسطورة تأسيس أول مملكة كورية، والتي كانت تسمى gojeseon في سنة 2333 قبل الميلاد، كان الثوم له دور أساسي.
وتدور الأحداث حول إله الجنة (أو السماء)، الذي كان يسمى hwanin، والذي رزق بطفل واسمه hwanung، هذا الطفل كان يعشق الكرة الأرضية، وطلب من أبيه أن يعيش على الكرة الأرضية بين جبالها الشاهقة والخضرة والطبيعة الجميلة، فوافق أبوه على مطلبه، وأرسل معه 3000 آدمي؛ كي يرافقوه على الأرض، بالإضافة لوزير الرياح ووزير السحب ووزير الأمطار (إي نعم كانوا يؤمنون بأن إله السماء كان لديه وزراء).
عندما هبط hwanung على الأرض أسس مدينة shinsi التي تعني "مدينة الرب"، فوق جبل baekdu، وهذا الجبل يقع حالياً بين كوريا الشمالية والصين. وكان hwanung بصحبة وزير السحب ووزير المطر ووزير الرياح يعلم البشر علوم الطب، ويسن القوانين ويعلم البشر الأخلاق الحميدة والزراعة والفنون ويتعبد ويعلم الناس كيفية عبادة أبيه.
حتى سمع دعاء من دبّة ونمر، يدعون له بأن يستجيب لدعائهم، بأن يتحولوا من حيوانات إلى بشر، فظهر لهم وأعطى كلاً منهم 20 فصاً من الثوم ونبتة الـmugwort، أو الشيح، وطلب منهم أن يمكثوا في كهف لا يأكلون شيئاً غير الثوم.
فبعد مرور 20 يوماً لم يتحمل النمر الجوع، وترك الكهف باحثاً عن الطعام، لكن الدبة ظلت في الكهف متحملة الجوع أملاً في التحول، وفعلاً بمرور اليوم الـ21، استجاب hwanung وحول الدبة إلى امرأة جميلة، لكن تلك المرأة كانت مع مرور الوقت بدأت تشعر بالوحدة فطلبت منه أن يهبها طفلاً… فتزوجها وأنجبت منه البطل الأسطوري dangun، الذي أسس المملكة الكورية بأكملها، وكانت العاصمة هي مدينة asadal التي تقع بالقرب من عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانع.
وتلك هي باختصار قصة عشق الكوريين للثوم.. وبالرغم من أن المملكة الأولى تلك ما هي إلا مجرد أسطورة، لكن حتى سنة 1961، كان الكوريون يتبعون التقويم القديم؛ حيث إن سنة 2333 قبل الميلاد كانت تعد السنة الأولى للتقويم، ومع ذلك بالرغم من تركهم وعدم إيمانهم بهذه الأساطير الآن، إلا أن اليوم الثالث من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام يعد عطلة رسمية؛ لأنهم يعتبرون هذا هو اليوم الذي هبط فيه hwanung إلى الأرض ليعيش مع البشر؛ ليؤسس مدينة الرب المذكورة سابقاً.
ونراكم في المدونة القادمة إن شاء الله.