هل هو نوع من الشيزوفرينيا مصابة به الحكومة الفرنسية، أم أنه حجم الأموال الكبير الذي تغص به المصارف الفرنسية لثلاثة من أكبر المجرمين الذين مروا في تاريخ سوريا، وساهموا في توطيد أركان حكم عائلة لم يعرف التاريخ مثيلاً لإجرامها، هو الذي يجعل الحكومة الفرنسية صامتة وتدير ظهرها لأبسط قيم حقوق الإنسان، التي كان للثورة الفرنسية حظ الريادة في ترسيخها والدفاع عنها، وذلك من خلال تقديمها الحماية لثلاثة يعرف القاصي والداني حجم إجرامهم في حق السوريين على مدى نحو خمسين عاماً؟!
يشكل تعامل الحكومة الفرنسية مع الثورة السورية حالة مثيرة للاستغراب، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الإدارة الفرنسية انحيازها لمشروعية مطالبات السوريين، ودعمت مواقفهم ونضالهم للخلاص من نظام الإجرام، وقدمت مساعدات كثيرة، ودافعت عن حق الشعب السوري في حياة حرة كريمة، إلا أنها -في الوقت نفسه- تستضيف وتحمي عدداً من المجرمين السوريين، في مقدمتهم ثلاثة من أعتى مجرمي العصر الحديث (رفعت الأسد وعبد الحليم خدام ومصطفى طلاس) وتقدم الحماية لهم ولعائلاتهم ولأموالهم التي جنوها -وهي بالمليارات- بالقتل والفساد..
وكثير من هذه الجرائم التي ارتكبوها اعترفوا بها ولم ينكروها، مضافاً إليها جرائم كثيرة، لا يخلو كتاب يتحدث عن سوريا في عهد حكم عائلة الأسد المجرمة من الحديث عنها، خاصة تلك الكتب التي تتحدث عن الجرائم الفظيعة، التي ارتكبت في سجن تدمر، ودورهم -المجرمون الثلاثة- في إدارة هذه الجرائم!
عبد الحليم خدام والنفايات النووية:
يعتبر من أقرب المقربين لحافظ الأسد، وأكثرهم استغلالاً لمنصبه في تكوين ثروة قدرها بعض المتابعين بأربعة مليارات دولار أغلبها في البنوك الفرنسية، إضافة إلى مئات الملكيات العقارية والشراكات التجارية في سوريا وخارجها.
وليس سراً قيام عبد الحليم خدام بصفقة تجارية كبيرة بمئات ملايين الدولارات، انتهت إلى دفن "نفايات نووية في البادية السورية ما زالت أثارها حتى الآن على الإنسان والحيوان والنبات"، ولم يفتح بأمرها تحقيق جدي حتى الساعة، ذلك لأن أطرافاً من عائلة الأسد، كانت شريكة في هذه الجريمة الكبرى.
وليس سراً -أيضاً- أنه "خلال حرب 5 حزيران 67 أصدر بياناً من الإذاعة السورية بصفته محافظاً للجولان، وبالتواطؤ مع حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع، أعلن فيه سقوط القنيطرة بيد الإسرائيليين، وذلك قبل فترة من سقوطها الفعلي، مما أدى إلى انسحاب عشوائي تسبّب بمقتل عشرات الجنود والضباط.
ويعرف الفرنسيون جيداً أن ثروة خدام هي حصيلة استغلاله لمواقعه الوظيفية التي كان حافظ الأسد يكلفه بها، عبر الرشى التي كان يتقاضاها، سواء في سوريا أو خارجها، خاصة عندما كان ممثلاً لحافظ الأسد في حكم لبنان، وتذكر مصادر كثيرة أنه لم يكن يتم تعيين نائب أو وزير لبناني دون أن يدفع المعلوم لخدام، وأن أبرز الرشى التي تلقاها ويعرفها الفرنسيون جيداً، هي القصور التي أهداها له رفيق الحريري كرشى لقاء خدمات كان يقدمها له، وهي في فرنسا واحد في شارع فوش بباريس، وهو القصر الذي كانت تمتلكه ابنة الملياردير الشهير أوناسيس والذي يعيش فيه خدام حالياً معززاً بحماية فرنسية، والقصر الثاني باسم زوجته نجاة مرقبي خدام في مدينة نيس الفرنسية.
ومعروف أنه عقب وفاة حافظ الأسد كان لعبد الحليم خدام ووزير الدفاع السابق مصطفى طلاس دور بارز في تعديل المادة 83 من الدستور كي يتمكن المعتوه بشار الأسد من تولي رئاسة الجمهورية، وكذلك ترقيته إلى مركز القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وهذا ما كان سبباً في الويلات الكبرى التي يعاني السوريون منها إلى اليوم.
رفعت الأسد وجرائمه الكبرى:
تحفل سيرة رفعت الأسد بكل صنوف الفساد والإجرام، وتتفق معظم المصادر على أنه كان القائد الفعلي لـ"مذبحة حماة " التي انتهت إلى قتل نحو أربعين ألف مدني، وتهديم أحيائها التاريخية، وقد نقل الصحفي توماس فريدمان أن "رفعت تفاخر في وقت لاحق للجريمة بأن عدد الضحايا لا يقل عن 38000 ألف مدني".
كذلك كلف رفعت زوج ابنته بقيادة مجموعتين من سرايا الدفاع التي كان رئيسها، نقلتا إلى سجن تدمر وقامتا بإطلاق النار على السجناء العزل، وقتل يومها نحو ألف سجين سياسي، تم دفنهم جماعياً بالجرافات.
ولا ينسى السوريون موقعة "الإيشاربات الشهيرة، حين كلف قطعانه بالتهجم على النساء المحجبات في دمشق وعدد من المدن الأخرى، وتشليحهن لإيشارباتهن في تحد سافر لقيم المجتمع السوري، مما اضطر شقيقه حافظ لتقديم الاعتذار في خطاب شهير له.
ولرفعت الأسد باع طويل في الاتجار بالآثار والمخدرات، وقد "سخر سيارات الجيش وطائراته العمودية في حماية زراعة الحشيش في سهل البقاع اللبناني، ونقل المحصول إلى الميناء الذي بناه قرب اللاذقية" وقد أكدت مجلة الإكسبريس ذائعة الصيت في عدد أيار عام 1987 أن "هناك صلة للسلطات السورية في تجارة المخدرات اللبنانية، وأن نائب الرئيس السوري رفعت أسد ضالع في تسويقها لدى شبكات التجارة العالمية".
وقد نشرت المجلة نفسها في عددها رقم (1869) تحقيقاً مطولاً حول تورط رفعت الأسد في تجارة المخدرات والأسلحة وضلوعه في عصابات سرقة السيارات من ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا عن طريق شبكة يديرها ابنه.
ثم نشرت مجلة إنترفيو الإسبانية تحقيقاً آخر حول صلة رفعت بالاستخبارات الفرنسية والإسبانية، وعن أنشطته غير المشروعة بالتعاون مع التاجر السوري منذر الكسار في تجارة الأسلحة والمخدرات.
وقد تمكن من وراء هذا الإجرام والفساد، من تكوين ثروة طائلة، هي في الأصل مسروقة من تعب السوريين وجني أعمارهم.
مصطفى طلاس الوزير الإمعة:
فصلنا بعض الشئ في سيرة مصطفى طلاس وزير الدفاع في عهد حكم حافظ الاسد، والذي كما أشرنا كان وزيرا خلبيا، اكتفى باستغلال "إمعيته" ورعاية حافظ له، بالاتجاه إلى بناء ثروة قدرها البعض بخمسة مليارات دولار، جناها في رحلة فساد محمي من حافظ الأسد.
ولعل اعترافه لمجلة دير شبيغل عام 2004 أنه "كان يوقع على 150 قرار إعدام يومياً بحق سجناء الرأي في تدمر"، يشكل أكبر إدانة ودليل واضح على اشتراكه في جرائم النظام الذي استباح سوريا طيلة خمسة عقود.
كما تذكر المصادر أنه بعد احتجاجات مدينة حماة عام 1964 وقيام سلطة البعث باستباحة المدينة ونهبها واعتقال أبنائها وقصف مسجد السلطان الذي لجأ إليه الناس، شكلت محكمة عرفية برئاسة مصطفى طلاس و" وأصدر أحكاماً بالإعدام على علماء مدينة حماة..".
عود إلى بدء:
سِجل هؤلاء المجرمين أكبر من أن يتم حصره في مقال، وكل ما أوردناه ليس إلا القليل مما يعرف السوريون أضعافه. وبعيداً عن البروباغندة الإعلامية التي يصدع هؤلاء المجرمون الثلاثة رؤوسنا بها في إطلالاتهم الإعلامية بين فترة وأخرى، معلنين تبرؤهم من نظام الإجرام الذي يقوده بشار الأسد، فإن السوريين يعرفون أن بعض مصالحهم ما زالت تشكل واحدة من روافع حماية استمرار هذا النظام، وأن أزلامهم ما زالوا في مواقع مساندة لهذا النظام، ويعرف الفرنسيون هذا جيداً مثلما يعرفون أن داعش التي تقض مضاجعهم وتقتل أبرياءهم من صنيعة هذا النظام وتلقى دعماً من هؤلاء، وليس آخره فضيحة شركة لافاج الفرنسية التي تسوق نفط داعش، والتي يملك نجل طلاس حصة فيها.
قد يقول قائل إن القوانين الفرنسية، لا تتيح طريقة لمحاكتهم لأن جرائمهم لم تقع على الأراضي الفرنسية، وأن التقادم قد طالها رغم معرفتنا أنه ما زالت حتى اليوم تجري محاكمات لمجرمي النازية، أوالالتطاط خلف فكرة أن شروط تقديمهم للمحاكمة ليست متوفرة، وأنه لا يمكن طردهم بسبب الأوضاع القائمة في سوريا، وغير ذلك من حجج يلتطُّ القرار السياسي الفرنسي خلفها، لكن المسألة في جانب منها أخلاقية، تنسف المبادئ الأساسية التي قام عليها القانون الفرنسي، وتسيء لمبادئ الثورة الفرنسية، وللقوانين الفرنسية المتعلقة بالحرية والجريمة.
إن بحث الفرنسيين عن السبل التي تقدم هؤلاء، ومثلهم مجرمو المعارضة الذين يعيشون على الأراضي الفرنسية، إلى المحاكم العادلة، يعيد للفرنسيين تباهيهم بريادة حقوق الإنسان وانحيازهم إلى المستضعفين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.