لم نتفاجأ بإخفاقات (هيئة التفاوض) المتمخضة عن مؤتمر الرياض التي بنيت على باطل، فالمجتمعون هناك كان جلهم من مهزومي السنوات الماضية ومفسدي (المجلس الوطني السوري ووليده القيطري الائتلاف) والوافدين الجدد من أركان وإداريي وحزبيي وأمنيي نظام الاستبداد ومن أجل إضفاء نوع من غطاء الشرعية الثورية المفقودة أصلاً تم استحضار شخوص بطرق ووسائل ملتوية غير مفهومة للاستقواء بهم أولاً والارتكان إليهم في عقد الصفقة بالتحاور مع النظام على قاعدة قبول مؤسساته كافة، أي التراجع عن الهدف الأول والرئيسي للثورة المندلعة منذ خمسة أعوام، التي كلفت مئات ألوف الشهداء ما عدا الدمار وملايين المهجرين.
من حق ملايين السوريين من المشاركين في الثورة والداعمين لها، وبينهم مئات الآلاف من الوطنيين المستقلين والمناضلين الشرفاء وناشطي الحراك الثوري وتنسيقيات الشباب التي شاركت في اندلاع الثورة وحمايتها ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية من النساء والرجال ومن مختلف المكونات السورية القومية والدينية والمذهبية، من حق هؤلاء جميعاً أن يطلعوا على ما جرى سابقاً على أيدي متزعمي (المجلس السوري) من اختراقات خارجية وانحرافات عن مسار الثورة وإساءات لتشكيلات الجيش الحر من حصار واستبعاد وتجاهل، ومن مساهمة في إغراق صفوف الثورة بجماعات الإسلام السياسي.
من حق هؤلاء جميعاً أن يعلموا عن سبب وموجبات ودواعي تحول (المجلس إلى الائتلاف)، وإذا كان هناك من خلل وفشل في السلف فلماذا لم يعلن ذلك للسوريين؟ هل بسبب انحراف سياسي أم مخططات تآمرية على الثورة واختلاسات مالية وفساد؟ ومن هو المسؤول عن ذلك أحزاب أو تجمعات أو تيارات أو أفراد؟ ثم ماذا عن إخفاقات الائتلاف وأوجه الفساد في مؤسساته؟ وبماذا اختلف عن سابقه على صعيدي البرنامج والقيادة؟ ألم يكن مسيراً كما سلفه من (القيادة الإخوانية العميقة)؟
بدلاً من الحصول على أجوبة التساؤلات السالفة والبدء من جديد بعد مراجعة جذرية شاملة ووضع النقاط على الحروف وتنوير السوريين بحقائق مخفية منذ سنوات، اختار المجتمعون في الرياض نفس النهج الفاشل السابق، واعتمدوا نفس الأساليب الملتوية، ولم يبالوا بكل المقترحات المفيدة التي توالت عليهم من الحريصين على الثورة، وأولها ضرورة الانطلاق من الشرعيتين الشعبية والثورية عبر تشكيل لجنة تحضيرية سورية تمثل بقدر الإمكان المكونات الوطنية، وتعمل على توفير شروط عقد المؤتمر الوطني العام والتوافق على برنامج سياسي وانتخاب مجلس سياسي – عسكري لقيادة المرحلة، ومواجهة تحديات السلم والحرب.
بازدياد المخاطر المصيرية راهناً ليس على وجود الثورة فحسب بل على وجود الشعب والوطن أيضاً وبمسؤولية (الهيئة التفاوضية العليا) عن حالة التقهقر السياسي والتراجع العسكري وحالة الإحباط العامة، خاصة بعد تمادي العدوان الروسي والإيراني بتواطؤ أميركي وتجاهل إقليمي وعربي رسمي، كان حرياً بهذه الهيئة المنهارة أن تكون أكثر جدية، وأن لا تلهو ولا تقامر بمصائر السوريين، ولا تمضي في نهجها المدمر، كان الأولى بها أن تعلن عن فشلها وإخفاقها، وتعترف بالمسؤولية أمام الشعب والتاريخ، وتسلم أمرها للشعب، ولكن ما بني على باطل لن يكون إلا باطلاً، وما بيان اجتماعها الأخير بالرياض إلا نموذج على ما وصلت إليه وإدانة واضحة لسلوكها.
(تبنت "الهيئة التفاوضية العليا" في اجتماعها الأخير بالرياض مجموعة مبادرات تهدف إلى توثيق الصلة مع كافة فئات المجتمع السوري، وتحقيق الانفتاح على مختلف القوى السياسية والمجتمعية، وأشارت أيضاً إلى اتفاق على تشكيل لجان للتواصل مع مختلف المكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعزيز دور المؤسسات الإعلامية ومراكز الفكر السورية للاستفادة من خبراتها، ورفد جهود الهيئة بالمادة العلمية، وعقد الندوات والمؤتمرات الداعمة لأنشطتها).
يستشف من هذه الأسطر من البيان أن الهيئة في أحسن أحوالها، ولا تواجه أية مصاعب ولم تحصل في صفوفها أية استقالات، وأنها حققت انتصارات كبرى، وأنها ليست قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الكامل، وفي جانب آخر لم تكن على صلة بفئات المجتمع السوري ومختلف المكونات، وأنها بصدد الاستفادة من خبرات مراكز الفكر السوري وعقد الندوات.. إلخ، وكانت باكورة عملها النوعي (الاجتماع الفكري!) المنعقد في إسطنبول، وبينهم أعداد من الفاشلين ومن مفسدي المجلس والائتلاف المطلوبين للمساءلة أصلاً، ومن بعض ممثلي الأنظمة المعنية بالملف السوري، في حين أن الهيئة ومن لف لفها مطعون في استقلاليتهم وتبعيتهم الخارجية، وهنا نستثني طبعاً قلة قليلة من ذوي النوايا الحسنة المشاركة في تلك الندوة.
إن الأساليب الملتوية التي يمارسها أعضاء (الهيئة) والتصريحات المتناقضة التي تصدر عن الناطقين باسمها واستمرارها في حجب الحقائق عن السوريين وسكوتها المريب عما يحدث، كل ذلك يوحي بصحة توقعاتنا المتشائمة السابقة حيال مصير ومآل هذه الهيئة غير الشرعية، وإمكانية أن تنزلق نهائياً نحو الارتداد، وتكشف عن وجهها الحقيقي بتقديم تنازلات جديدة عبر التسليم النهائي، وقبول الفئات والجماعات المحسوبة على النظام كشركاء في تقرير مصير السوريين، وإبرام الصفقة بالتالي، وهنا ومن جديد تتوجه الأنظار إلى قوى الثورة والثوار والوطنيين المخلصين من أجل البحث عن طريق الإنقاذ والخلاص.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.