أعرب عشرات الآلاف من الأتراك عن رغبتهم في عبور الحدود إلى سوريا والانضمام إلى الثوار التركمان الذين يواجهون القوات الحكومية والروسية، ومن المعتقد أن هناك المئات من الأتراك الذين خاضوا غمار المعركة بالفعل.
عشرات من المجندين المحتملين يرغبون حالياً في الانتقال إلى جبل التركمان، وهي المنطقة الحدودية الواقعة بإقليم اللاذقية السوري لمساعدة المواطنين التركمان المعرضين للمخاطر المتزايدة جراء الضربات الجوية الروسية وتقدم القوات الحكومية، بحسب جماعات إنسانية تتولى إرسال المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وقد سافر ما بين 250 و500 مواطن تركي بالفعل إلى اللاذقية للانضمام إلى المقاتلين التركمان، مع تصاعد حجم الخسائر البشرية في صفوفهم، وفق تقرير نشره موقع ميدل إيست آي.
ورغم أن أعداد المواطنين الأتراك الذي يحاربون بالفعل في سوريا بصفوف جماعات مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أو جبهة النصرة، تُقدر بالآلاف، إلا أن دوافع هؤلاء المتوجهين نحو المناطق التركمانية تجمع بين الوطنية والعرقية والتعاطف الديني مع الأقلية، وفقاً لما ذكرته إحدى الجماعات التي ترسل المساعدات إلى المنطقة وخبراء من المقاتلين في سوريا.
وتذكر الجماعات اليمينية مثل Ulku Ocaklari وAlparan Ocaklari، التي تعرف في أغلب الأحيان باسم "الذئاب الرمادية"، وأحزاب المعارضة بما في ذلك حزب الحركة القومية، أن القصف الروسي للمناطق التركمانية قد أوقد الحماسة الوطنية في تركيا.
ويذكر كورسات ميكان أنه كان منشغلاً بتلقي المكالمات الهاتفية من المجندين المحتملين منذ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حينما أسقطت تركيا طائرة روسية فوق جبل التركمان. ويتولى ميكان رئاسة جماعة ألبيرون أوكاكلاري، وهي منظمة ثقافية وسياسية أسسها الوطنيون اليمينيون وتقدم المساعدات إلى التركمان منذ نحو عامين.
وقال ميكان الذي كان يتحدث من مكتب أوسكودار التابع للجماعة والكائن بجوار جدارية دخول السلطان العثماني محمد الفاتح إلى القسطنطينية عام 1453: "إنهم يتصلون بي للسؤال حول كيفية الانضمام للثوار التركمان".
وتابع: "بلغ عدد المتصلين بنا للانضمام إلى الثوار 12 ألف شخص، ثم توقفنا عن العد".
وأضاف أنه رد عليهم: "لا يمكننا اصطحابكم، ولكن إن أردتم الذهاب سنخبركم بالمكان الذي تتوجهون إليه ومن هناك يمكنكم الذهاب بمفردكم. فإذا قام أحد بالفعل بتنظيم الأمور، اعتقد أن هناك نحو 100 ألف شخص سيتوجهون إلى سوريا".
ويذكر ميكان أن الضربات الجوية الروسية كانت جزءاً من "عملية الإبادة الجماعية" التي استهدفت التركمان. وتعد جماعته مجرد واحدة بين العديد من المنظمات التي تنشر حالياً حملات توعية بشأن المعركة في جبل التركمان.
وقال محمد، التركي الذي حارب في صفوف التركمان بعدة معارك، إن الموقف شمالي الجبل "بشع للغاية".
وأضاف: "هناك عدد قليل من القرى المتبقية الخاضعة لسيطرة الثوار ونحن محاصرون، ولكن لدينا مقاتلون يكفون لصد التقدم الروسي".
وقال محمد: "لا يوجد تواجد لداعش أو جبهة النصرة هناك. لا يوجد سوى الجيش السوري الحر. فلماذا تلقي روسيا بالقنابل باستمرار؟ من الواضح أنها حرب. فهم يريدون الحرب مع تركيا ويرغبون في السيطرة على المنطقة حتى يتمكنوا من قصف تركيا".
وشنت روسيا أكثر من 500 ضربة جوية على منطقة جبل التركمان منذ سبتمبر/أيلول الماضي، ما أجبر 100 ألف تركماني إلى الفرار عبر الحدود، وفقاً لما ذكره أحد المسؤولين الأتراك.
لا يزال هناك 3 من بين 40 قرية تخضع لسيطرة قوة يبلغ حجمها 2000 تركماني، بحسب طارق سولو، نائب رئيس حزب الحركة القومية التركماني السوري، وهو أحد أحزاب المعارضة السورية العديدة.
وقد زعم التركمان أن تعداد جالياتهم وصل إلى 3.5 مليون نسمة قبل اندلاع الحرب السورية، بينما تشير التقديرات الأخرى إلى أن العدد أقل من ذلك بكثير.
وكانت تلك الأقلية تستقر في منطقة جبل التركمان تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، وربما كانت المجموعة الوحيدة التي تعيش داخل سوريا وتتمتع بتعاطف كبير داخل تركيا.
وقد وسم رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو التركمان بأنهم "أقاربنا الذين يعيشون هناك منذ قرون، واتهم موسكو بمحاولة ممارسة التطهير العرقي شمالي اللاذقية".
حملة علاقات عامة لفضح عمليات "الإبادة الجماعية"
ينشر بعض القادة من الجماعات العلمانية الكبرى، مثل أولكو أوجاكلاري اليمينية، والسياسيون من حزب الحركة القومية اليميني، صوراً يومية على حساباتهم على مواقع تويتر وفيسبوك، حيث يرتدون الزيّ العسكري في جبل التركمان ويحيط بهم الثوار المسلحون ويرفعون أصابعهم للسماء في حركة إيمائية خاصةً بحزب الحركة القومية.
وفي 29 يناير/كانون الثاني، على سبيل المثال، نشرت جماعة أولكو أوجاكلاري صوراً لآثار الضربات الجوية الروسية المزعومة على معسكر للنازحين في يمادي، داخل سوريا.
وينص تعليق إحدى الصور على ما يلي: "مذبحة تحدث حالياً في سوريا، فمتى ترفعون أصواتكم تأييداً لأشقائنا التركمان؟".
وهذا القصف، الذي يقول النشطاء إنه تضمن قنابل عنقودية، هو الرابع من نوعه على مدينة يمادي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
وذكر عمال المساعدات الأتراك أن الطائرة الروسية التي تم إسقاطها في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ربما كانت تمهّد لعملية قصف أخرى. رغم أن الروس ينكرون استهدافَ المناطق المدنية ويذكرون أنهم يضربون أهدافاً "إرهابية".
وشرح ميكان: "قبيل إسقاط الطائرة الروسية كانت هناك منظمات قليلة تقدم المساعدات إلينا. والآن، الجميع تقريباً يساعدوننا، بما في ذلك الجماعات الدينية والكردية والعرب والجماعات اليمينية واليسارية. لدينا علاقات مع التركمان منذ آلاف السنين. فما الحق الذي تملكه روسيا لخوض حرب في منطقة تقع على بعد آلاف الكيلومترات منها؟ لقد سمع الجميع ذلك وعلموا أن الروس لا يظهرون أي رحمة. ولذلك أراد هؤلاء تقديم المساعدات، حيث لا يمكنهم الوقوف وعدم تقديم الدعم".
أطلق أعضاء حزب الحركة القومية على تلك المعركة لقب "جاليبولي" الأخرى، في إشارة إلى حملة 1915-1916 التي انتهت بانتصار القوات العثمانية على القوى الأوروبية، ما أدى إلى نشأة الدولة التركية.
وأجرت مجموعات من القادة السياسيين زيارات تتسم بالتحدي إلى الحدود وأطلقوا مسيرات موحّدة مع الثوار التركمان والعرب. وفي مشاهد تذكّرنا بمشاهدة مؤيدي الأكراد لمعركة كوباني، يقف القادة على قمم التلال ويشيرون عن بعد إلى الضربات الجوية الروسية.
أعداد الضحايا في ارتفاع
تم الاعتراف بمقتل 17 مواطناً تركيّاً في مناطق التركمان، وكان لجنازاتهم طابعٌ رسمي في مدنٍ مثل إسطنبول. وفي شهر يناير/كانون الثاني الماضي، حضر الآلاف جنازةَ إبراهيم كوجوك، نائب رئيس مكتب "حزب الحركة القومية" محلي، الذي قُتل أثناء قتاله إلى جانب الثوار في جبل التركمان.
وكان آلباراسلان جيليك، المواطن التركي وابن مسؤول سابق في "حزب الحركة القومية"، بين المشيعين. وجيليك هو من يقول إنه قتل الطيار الروسي الذي أسقطت تركيا طائرته في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقال جيليك في الجنازة: "آتي وأذهب. أنا هنا من أجل الجنازة وسأعود إلى هناك"، وفي مقابلات لاحقة قال إنه يقاتل في سوريا منذ سنتين. وأثار هذا غضب المسؤولين الروس الذين قالوا إن ظهورَ جيليك كان "مفاجئاً ومعيباً"، وطالبوا أنقرة بالتحقيق في مسألة "اعتراف مواطن تركيّ بارتكابه جريمة دولية".
أما عمر بهرام أوزديمير، الباحث بجامعة ساكاريا والمهتم بالحرب السورية، فقد قال إن مئاتٍ من الأتراك يحاربون في جبل التركمان على الأغلب، ورغم أن بعضهم قد لا يكون مشاركاً بشكل مباشر في المعارك، إلا أن الحرب هناك تركت أثراً خطيراً في الداخل التركي.
وأضاف أوزديمير أن الأتراك شاركوا في حروب أجنبية من قبل، مثلما حدث في حرب البلقان في تسعينيات القرن الماضي وأثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان، لكن الحرب في سوريا ارتبطت بشكل مباشر بالسياسة الداخلية التركية.
وقال أوزديمير: "الأفراد الذين كانوا ينضمون للقتال ضد الصرب أو السوفييت كانوا يكسبون تعاطف المحافظين في الشارع التركي. لكن الحرب السورية مختلفة، إنها تؤثر بشكل مباشر على تركيا".
لكن تأثير مثل هذه المشاركة يبقى محل جدل، ورغم حماس الأتراك لمعركة اللاذقية، إلا أن معركة حلب تبقى الأولوية بالنسبة للمعارضة، حسب ما يقول فراس باسا، قائد كتيبة المنتصر بالله المكوّنة من 350 مقاتلاً، 170 منهم تركمان.
باسا الذي يظهر بشكل متكرر على التلفزيون التركي ليتحدث عن الأقلية التركمانية، قال إن مجموعته تلقت مساعدات من جماعات مثل Ulku Ocaklari وAlparan Ocaklari، ولكن لم يشارك أي مواطن تركي في المعركة الجارية في حلب.
وأكد باسا أن "الروس يقصفوننا ليلاً نهاراً. لولا الروس لكان الأسد غير موجودٍ الآن. أتمنى أن تُعطينا تركيا أسلحةً مضادة للطائرات، فكل ما لدينا هو صواريخ أرض- أرض".
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن موقع Middle East Eye، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.