هُزمت داعش.. لكن هل انتصرنا؟

في الوقت الذي يحتفل فيه البعض بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الموصل، ومع اقتراب "تحرير" الرقة من قبضتها، وجب الإشارة إلى أن مثل هذه التنظيمات لا تنتهي بانتهاء كياناتها جغرافيا ولا بانتهاء زعمائها، وإن كان ذلك يؤثر، لكن ما هي إلا مسألة وقت، فالمعروف عليها الانسحاب حتى في المعارك التي لا تضمن انتصارها

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/17 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/17 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش

في الوقت الذي يحتفل فيه البعض بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الموصل، ومع اقتراب "تحرير" الرقة من قبضتها، وجب الإشارة إلى أن مثل هذه التنظيمات لا تنتهي بانتهاء كياناتها جغرافيا ولا بانتهاء زعمائها، وإن كان ذلك يؤثر، لكن ما هي إلا مسألة وقت، فالمعروف عليها الانسحاب حتى في المعارك التي لا تضمن انتصارها، هذا الانسحاب الذي قد يمتد إلى سنوات من العمل تحت الأرض وتطويع الأداة "الأيديولوجية الجهادية العابرة للقارات" وتطوير آلية قتالية جمعت ما بين تجارب "جهادية" متعددة تجمع ما بين حرب العصابات وبقايا بعض الجيوش النظامية؛ لتعود بوحشية أكبر من سابقتها، فتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين مع الزرقاوي ليس هو تنظيم القاعدة مع بن لادن، وتنظيم ما سُمي بالدولة الإسلامية مع أبو بكر البغدادي، ليس كما كان مع أبو عمر البغدادي أو الزرقاوي.

والحاصل أن هذه التنظيمات لا تنتهي بانتهاء رؤسائها، وإن كان ذلك يحدث بعد التصدع المؤقت في هيكلتها، بل التطرف عموماً في مجالاتنا التداولية لم ينتهِ لا بقطع رأس جُهيمان، ولا بشنق سيد قطب، ولا بقتل بن لادن، فالتطرف هنا لدينا بنية ذهنية واجتماعية؛ لأن الشروط الموضوعية لانفجارها موجودة وتزداد يومياً، لا نقول الدينية – الفقهية أو الأزمة التراثية فحسب، وإن كانت جزءاً من الأزمة لكن ليست كلها؛ لأن الاقتصار على تفكيك هذه التنظيمات دينياً هو رؤية محدودة أشبه بالرؤية الأمنية تجهل منطق حركية التاريخ، فهذه التنظيمات ستُعيد الظهور؛

لأن البيئة الحاضنة لها ما زالت هشة؛ لأن الشروط الاجتماعية تؤهل إلى إعادة إنتاج التطرف، فغياب الحرية وزيادة انتهاكات حقوق الإنسان واتساع القهر الاجتماعي، بل حتى بعض الخيارات التي يذهب إليها البعض من أجل مواجهتها لا تغدو أن تنتج رد فعل عكسيا، سواء ما ابتدأ بسلاح الأيديولوجية بالعلمنة في تونس (في عهد بورقيبة وبن علي) أو المواجهة المسلحة، كما مع نظام الصحوات في العراق، التي من سخرية التاريخ أن ضمت داعش بعضاً من أفرادها السابقين؛ لأن الحكومة العراقية بقيادة المالكي همشتهم بعد القضاء على تنظيم القاعدة بزعامة الزرقاوي.

فإذا كان المفكر الجزائري مالك بن نبي تحدث من قبل عن القابلية للاستعمار قبل الحديث عن الاستعمار، اليوم نحن بحاجة إلى الحديث عن القابلية للتدعشن أو القابلية لإنتاج التوحش وللانفجار بعمومها، فأن تخرج تحذيرات من صندوق النقد الدولي فيما يخص الوضع الاقتصادي هنا بالمغرب بأن الشباب هنا يعاني من حالة يأس وإحباط بالحصول على وظيفة تناسب تكوينه؛ لنقابل بعدها بخبر غرق طالب ماستر مغربي بأحد شواطئ ليبيا هو ما لا يمكن تجاهله، فحالة اليأس والإحباط تختلف ترجماتها، فلا فرق لديّ بين طالب تقدمي يحرق نفسه وبين إسلامي متطرف يحرق الآخرين، وبين عاطل غير متمدرس يحترق داخلياً بشكل يومي بعدما احترقت كل آماله في العيش الكريم، فالانفجار الاجتماعي قد تختلف أشكاله، لكن الدافع يبدو واحداً وآخرها ما تُرجم بانتفاضات 2011، التي بدأت بقضية البوعزيزي، وانتهت بظهور "الدولة الإسلامية" سنة 2014، التي تنبأ أحد منظري التيارات الجهادية (أبو بكر ناجي: اسم حركي) سنة 2004 بأن الحل لقيامة "دولة الخلافة" في نظرهم هي استثمار حالة الفوضى.

إذن وقبل مكافحة داعش وجب مكافحة أسباب قيام الفوضى، وذلك بالكثير والكثير من الديمقراطية وبمجالات واسعة من حقوق الإنسان والحريات، فإما الديمقراطية أو الطوفان، وما دونها ما هو إلا عبث (أو هكذا نرى).

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد