اهتم العالم العربي بكل أطيافه وأعماره بانهيار أسعار النفط، وصار الحديث عن هذا التدهور الاقتصادي هو حديث المجالس والمقاهي العربية، في حين لا أكد أذكر اهتماماً أو حديثاً مشابهاً عن تدهور مخزون المياه في الوطن العربي، والذي -إن لم يكن أخطرـ فلا يقل خطورة عن تدهور النفط، وإن كان ثمة أصابع اتهام تشير لتوجيه الإعلام لنوعية القضايا التي تشغل بال الناس، فلا يعفي ذلك الناس عموماً والنخب خصوصاً من مسؤولية طرح هذه القضايا الحساسة وجعلها أولوية شعبية ووطنية، فيكفي أن نعرف أن خسائر القطاع الزراعي في العام 1999-2000م في الوطن العربي بلغت قرابة 57 مليون دولار بسبب الجفاف فقط!
حسب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فالمنطقة العربية التي تحوي 5% من سكان العالم وتشغل 10% من مساحته، يقل نصيب الفرد من الموارد المائية العالمية عن 1% وفي نفس الوقت تقل حصة المنطقة من موارد المياه المتجددة سنويًّا عن 1% ولا يتجاوز ما تتلقاه من هطول الأمطار السنوي في المتوسط نسبة 1%-2% ولا يغيب عنا أن الصحاري تشكل نسبة كبيرة من أراضي المنطقة العربية تصل إلى 87% وتضم هذه المنطقة أربعة عشر بلداً من بين البلدان الأكثر تضرراً من نقص المياه عالميًّا ويقارب نصيب الفرد العربي من المياه المتجددة (ثُمن) ما يتمتع به نظيره على المستوى العالمي.
ويمكن تقسيم الوطن العربي بناء على موارد المياه إلى خمسة أقاليم أو مناطق:
١- بلاد الشام والعراق: وتتميز هذ المنطقة بالاعتماد على الأنهار، والتي تنشأ في كثير من الأحيان خارج حدود هذه الدول، وتغذيها نسب معقولة من الأمطار والمياه الجوفية. وتعتبر فلسطين والأردن أكثر دول الإقليم شُحًّا بالمياه لاعتمادها على نهر الأردن الذي يعاني قلة معدلات التغذية من الأمطار، كما يعاني سوء الإدارة والظروف السياسية التي تزيد الخناق على هذا المورد المائي الحيوي. ففي الأردن على سبيل المثال بلغ معدل انخفاض الإنتاج الزراعي نتيجة الجفاف 50% خلال 1999ـ 2000م ، بلغ فشل الإنتاج في بعض المناطق بشكل كامل.
٢- بلاد المغرب العربي: والتي تعتمد بشكل كبير على مصادر المياه الجوفية والأنهار، وتصل موارد المياه العذبة فيها إلى 53 مليار متر مكعب في المعدل العام (ونعني هنا المغرب، وتونس والجزائر) وبالنظر لعدد السكان يصل نصيب الفرد من المياه 793 متراً مكعباً سنويًّا، وهو أقل من المتوسط العالمي 1700 متر مكعب من المياه للفرد الواحد سنويًّا، وهذا الوضع يزداد صعوبة في كل من ليبيا وموريتانيا.
٣- دول حوض النيل: والتي تعتمد بشكل كبير على مياه النيل لتأمين احتياجها من المياه ولا سيما مصر التي تعتمد عليه بنسبة 95%.
٤- دول شبه الجزيرة العربية: المعروفة بشح موارد المياه الجوفية والأمطار بل تعاني انعدامها في أجزاء كبيرة، وبالتالي فهي تعتمد بشكل كبير على تحلية مياه البحر لتأمين احتياجاتها المائية (باستثناء اليمن التي لا تزال تعتمد على مياه الأمطار). وبخلاف التوقعات فإن دول شبه الجزيرة العربية أقل تأثراً في هذا الجانب بالظروف المناخية، حيث إن اعتمادها على تحلية مياه البحر بدرجة كبيرة قلل من تأثرها بالتقلبات المناخية وقلة مخزون المياه الجوفية، ولا شك في أنه يزيد الضغط لتحلية مياه الخليج، وبالتالي تزداد تكلفة توفير المياه في أوضاع اقتصادية متراجعة. (ولعل لنا حديثاً آخر في هذا الموضوع لاحقاً).
٥- الشريط الساحلي الإفريقي: والذي يعتمد بشكل أساسي على مياه الأمطار تليها المياه الجوفية، والذي يعاني تاريخاً طويلاً من الجفاف والمجاعات لا يتسع المجال لذكرها.
لماذا نذكر مثل هذه التحديات؟!
نذكرها لسبب مهم، وهو أن نلفت أنظار شباب الوطن العربي، المتفاعلين والمؤثرين في المشهد الحالي كما لم يكن في أي وقت مضى من العقدين الماضيين، لمثل هذه التحديات التي لا تقل أهمية عن التحديات السياسية التي انشغل بها الشباب والإعلام على حد سواء، فغاب عن الأذهان وعن جلسات النقاس حوار التنمية المستدامة واستحقاقاتها الملحة، لأن المواطن العربي قد ملَّ وكلَّ ولم يعد بمقدوره الانتظار طويلاً لمن يجد له حلاًّ لمثل هذه التحديات بعد عقود! فلا بد من طرح التساؤلات علَّها تجد آذاناً صاغية.. وللحديث بقية..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.