مغامرة محفوفة بالمخاطر.. لماذا لا يستمر الزواج في عصرنا الحالي؟

ما أسباب صُعوبة ديمومة الزواج؟ تَكْمُنُ الإجابةُ عن هذا السؤال في 4 مَصادِرَ للتوتر، هي أجزاء جوهرية للمجتمع المعاصر. أولاً، ثمة توترٌ بين تركيز الزواج على الالتزام وتوكيد المجتمع الحديث على تحقيق الذات. ففي القرن التاسع عشر ومعظم القرن العشرين، كان متوقعاً من المرأة أن تُضَحِّيَ بفرديتها من أجل الزواج.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/01 الساعة 18:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/01 الساعة 18:59 بتوقيت غرينتش

ما أسباب صُعوبة ديمومة الزواج؟

تَكْمُنُ الإجابةُ عن هذا السؤال في 4 مَصادِرَ للتوتر، هي أجزاء جوهرية للمجتمع المعاصر.

أولاً، ثمة توترٌ بين تركيز الزواج على الالتزام وتوكيد المجتمع الحديث على تحقيق الذات. ففي القرن التاسع عشر ومعظم القرن العشرين، كان متوقعاً من المرأة أن تُضَحِّيَ بفرديتها من أجل الزواج. وحتى اليوم، لا يزال مأمولاً أن تتحملَ المرأةُ مسؤوليةَ إنجاحِ الزواج، سواءً من خلال تقديمِ المشورة أو التضحية بالنفس. ومع ذلك، وفي كثير من الحالات، يغدو التوترُ أكبر بكثير من أن يتحمله المرء، ويقررُ الأفرادُ في نهاية المطاف السعي وراء سعادتِهِم وتحقيقَ ذواتِهم، بدلاً من إخضاع رغباتهم ورفاههم لشخصٍ آخر.

ثانياً، ثمة توترٌ بين تركيزِ الزواج الحديث على العلاقة الحميمة، الجسدية والجنسية والعاطفية، وبين الوظائف الاجتماعية والاقتصادية لتعزيز الدخل، وتوفير الدعم العاطفي، وتوفير بيئة آمنة يمكن أن يترعرع فيها الأطفال. وثمة ميلٌ إلى الحديث عن الزواج كرابطةٍ عاطفيةٍ في الأساس، ولكن حتى اليوم، وكما كان الحال في الماضي، يخلق الزواجُ اتحاداً اقتصادياً لا غنى عنه بالنسبة لمعظم البالغين لتحقيق نمطِ حياةٍ مزدهرٍ للطبقة الوسطى. وليس من المستغرب أن يتعثرَ الزواجُ عندما تفوقُ تكاليفُ المعيشةِ مع شخصِ آخرَ المساهمةَ التي يقدمها.

ثالثاً، ثمة واقعيةٌ وجوديةٌ؛ فالزواجُ، وهو العلاقةُ الأكثر قوة نفسياً التي يَخْتَبِرُها معظمُ البالغينَ، هو حتماً ساحة للصراع على النفوذ والسلطة. والصراعاتُ كامنةٌ في علاقةٍ يجبُ أن تُتَّخَذَ فيها، مراراً وتكراراً، قراراتٌ بشأن الأمور المالية، والجنس، وتربية الأطفال، والعديد من القضايا الأخرى. أما المفاهيمُ الرومانسيةُ للغايةِ عن التآزرِ والترابطِ وتوأمةِ الروح، فتتلاشى في خِضَمِّ الصراعاتِ اليومية التي تَسُوْدُ الحياةَ الزوجية.

توقعات مرتفعة


ويَكْمُنُ المصدرُ الرابعُ للتوترِ في تَصاعُدِ التوقعات المأمولة المرتبطة بالزواج واضْمِحْلالِ الدعمِ الذي ساعد على الحفاظ على الزواج في الماضي، بما في ذلك علاقاتُ القرابةِ الواسعة والصداقاتُ الراسخةُ في القرب الجغرافي. ومع مرور الوقت يكون الزواجُ قد غدا مُكَبَّلاً عاطفياً على نحو أكبر، ومُنغلقاً على الذات. لقد أصبح الزواجُ مثل قارب نجاة مهجورٍ في بحرٍ هائج.

إن التوتراتِ التي تُحيطُ بالزواج اليوم حادة. فمتطلباتُ العمل وتَمَحْوُرُ التركيزِ على الأطفال يعني أن الكثيرَ من الأزواج، مثل السفن العابرة في الليل، لا يقضونَ سوى النَّزْرِ القليل من الوقت معاً. ونادراً ما تتحققُ توقعاتُ المساواةِ في الأدوار والمسؤوليات، لاسيما بعد ولادة الطفل، عندما يَنْجَرُّ الكثيرُ من الأزواج إلى التقسيم التقليدي للعمل. ويُمْكِنُ للمال شراءُ المساعدة المنزلية للناس الأكثر ثراء، ولكن حتى هذه المساعدة تترافقُ مع أعباء خاصة بها، فلا بد أن تُشْرِفَ الزوجة عادةً على التوظيف والإدارة.

لقد صمدَ الزواجُ كمؤسسةٍ من خلال التكيفِ مع الظروف المتغيرة. ومع مرور الوقت، تلاشت صورةُ الزواجِ بوصفه علاقةً أبويةً لصالح صورته كعِشْرَة. وغدا الزواج علاقةً أكثر مرونة نوعاً ما بدلاً من كونه مؤسسة ذات أدوار جنسانية ثابتة.

ولكي يصمدَ الزواجُ في بيئة أكثر فردية في عالم اليوم، يجب مجابهةُ التوتراتِ الرئيسة التي تحيقُ بالعلاقات الزوجية. ومع ذلك، وكما حاولت أن أشير سابقاً، فإن المصادرَ الأساسية للتوتر الزوجي ليست فردية؛ إنما بنيوية، ومرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً لا انفصامَ لهُ بظروف الحياة المعاصرة.

ثمة عددٌ متزايدٌ من البالغينَ الذين ينظرونَ إلى الزواج كمؤسسةٍ عفا عليها الزمن، أو في أفضل الأحوال، شرٌ لابُدَّ منه. بيد أن معظم الأميركيين البالغين يختلفونَ مع هذه النظرة، إذ يعدّونَ الزواج رمزَ الالتزامِ الأعمقِ بالحضارة وتحرراً من العزلة. وفي أفضل حالاته، يعني الزواجُ أن الشخصَ لا يخوضُ رحلةَ الحياةِ وحيداً، ولكنه يحظى بفرصةِ مشاركةِ أفراحها، وأتراحها، وذكرياتها مع شخص آخر. وأهم من كل شيء، يدفعُ الزواجُ الناجحُ الأفرادَ إلى تطوير نظرةٍ متعددةِ الأبعاد.

مغامرةً محفوفةً بالمخاطر


لم يعد الزواجُ الطريقَ البارزَ لتنظيم حياة البالغين، حيث تَجِدُ أعدادٌ متزايدةٌ من البالغينَ الآن ذواتها عبر مجموعة من العلاقات، بما في ذلك المعاشرة، ودائرة الأصدقاء، وحياة العزوبية. واليوم، ليس ثمة كتابٌ يُؤَطِّرُ قواعدَ الزواج النهائية.

فلكي يصمدَ الزواجُ يجب أن يلبي احتياجاتِ الشركاء كما يحددها كلٌّ منهم على حدة. ويجدُ البعض تحقيقَ الذاتِ في الزيجات القائمة على المساواة، فيما يجدُ آخرونَ أن ذلك يتحققُ في العلاقات الأكثر تقليدية. وبالتأكيد كان تولستوي على خطأ عندما أعلن أن جميع الزيجات السعيدة متماثلة.

وفي الولايات المتحدة المعاصرة، يختبرُ معظمُ البالغينَ انهيارَ الزواجِ أو علاقة المساكنة. وبما أن الطلاق لم يعد وصمةَ عارٍ، ودعمُ الزواجِ ضَعُفَ، فقد غدا الزواجُ أمراً عارضاً ومشروطاً أكثر. ومع ذلك، تستمرُ الغالبيةُ الساحقةُ من البالغين الأميركيين في الزواجِ وتزيين الزواج بمجموعةٍ من الأوهامِ، والتوقعاتِ، والآمالِ، والأحلام.

وصف صموئيل جونسون الزواجَ الثاني بأنه "انتصارُ الأملِ على التجربة". واليوم، قد تنطبق عبارته على الزواج الأول أيضاً. فالزواجُ، وأكثر من أي وقت مضى، أصبحَ مغامرةً محفوفةً بالمخاطر، وأكثر ذعراً وهشاشة من أي وقت مضى.

– هذا الموضوع مترجم عن موقع psychologytoday. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد