فُرِضَت مؤخراً قيودٌ متفاوتة على السفر إلى الولايات المتحدة بحق أكثر من 100 مليون مواطن من 8 دول، وذلك بفضل حكمٍ إجرائي بسيط أصدرته المحكمة العليا الأميركية يوم الاثنين 4 ديسمبر/كانون الأول.
وحذَّر علماء القانون من أنَّ القرار ليس بالضرورة إشارةً إلى الحكم الذي سيصدره القضاة بشأن قرار ترامب حول حظر السفر إذا طُلب منهم النظر فيه، لكنَّه رغم ذلك يمثل جزءاً من التاريخ الطويل لموافقة المحاكم الأميركية على سياساتٍ حكومية مثيرة للجدل من الناحية الدستورية تستهدف المسلمين باعتبارهم تهديداً للأمن القومي الأميركي، وفق تقرير لموقع إنترسبت الأميركي.
وقال خالد بيدون، الأستاذ الجامعي بكلية ميرسي للقانون في جامعة ديترويت الأميركية ومؤلف الكتاب القادم: American Islamophobia: Understanding the Roots and Rise of Fear": "ما حدث في المحكمة العليا ليس بجديد".
وتابع قائلاً إنَّ المحكمة العليا متحيزة. وأضاف: "المبدأ الاستشراقي أو المُعادي للإسلام الذي يربط الهوية المسلمة بافتراض وجود تهديد ضد الأمن القومي الأميركي هو شيء شكَّل السياسة الأميركية وقرارات المحاكم الأميركية خاصةً".
أبطلت المحاكم الفيدرالية الأميركية النسخة الثالثة من قرار حظر السفر الذي أصدره ترامب في سبتمبر/أيلول ويستهدف المواطنين من تشاد، وإيران، وليبيا، وكوريا الشمالية، والصومال، وفنزويلا، واليمن. والقرار الآن يخضع للنظر في محاكم الاستئناف في الدائرتين الرابعة والتاسعة.
ورفضت معظم المحاكم قرار الحظر بمختلف نسخه، رغم أنَّ لغة نسخة سبتمبر/أيلول الأكثر اعتدالاً ربما تساعده على الصمود أمام التدقيق القانوني. جاءت النسخ السابقة من القانون لتفي بوعود ترامب التي قدمها أثناء حملته الانتخابية لمنع هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة، واستهدفت بلاداً ذات أغلبيةٍ مسلمةٍ فقط، مستثنيةً الأقليات الدينية الأخرى في البلاد. وفي محاولةٍ واضحة لإضفاء بعض التنوع، أضاف ترامب كوريا الشمالية وفنزويلا للنسخة الثالثة من قرار الحظر. وجديرٌ بالذكر أنَّ مواطني كوريا الشمالية ممنوعون من السفر بواسطة حكومتهم، والحظر على فنزويلا سيُطبَّق فقط على بعض أفراد النخبة الحاكمة.
هجمات سبتمبر وسلسلة من السياسات ضد المسلمين
كانت الفترة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول هي البداية لسلسلةٍ من السياسات المثيرة للجدل التي تستهدف المسلمين، والعرب، ومواطني شرق آسيا دوناً عن غيرهم، وتشمل بعض الإجراءات السرية وممارسات الاحتجاز غير القانونية. ولعبت أفرع الحكومة الأميركية الثلاث دوراً في إقرار وتنفيذ هذه السياسات.
وقال باهر عزمي، المدير القانوني لمركز الحقوق الدستورية الذي رفع بعض الدعاوى المرتبطة بمراقبة الحكومة للمواطنين وحقوق المعتقلين في غوانتانامو: "في الحقيقة، تناولت المحاكم في حربها على الإرهاب عدداً من القضايا التي تؤثر على المسلمين، مثل قضية معتقل غوانتانامو ضمن قضايا الأمن القومي، وإلى حدٍّ ما وقفت المحاكم مع المسلمين، لكنَّ هذا حدث فقط على أساسٍ يتعلق بالفصل بين السلطات بسبب تجاوز السلطة التنفيذية. ونادراً ما كان يُعترف بأنَّ هؤلاء الأفراد لهم حقوقٌ أساسية".
وأضاف عزمي: "كانت هذه القضايا إلى حدٍّ كبير صراعاً بين الرئيس والمحاكم، ولا أظن أنَّ المحاكم حساسة خاصةً فيما يتعلق بدعاوى المسلمين، تماماً مثلما تكون غير حساسة حين يتعلق الأمر بالمهاجرين الصينيين واليابانيين".
أكد قرار المحكمة العليا بشأن قضايا غوانتانامو الشهيرة "رسول ضد بوش"، و"حمدان ضد رامسفيلد"، و"بومدين ضد بوش" أنَّ سجناء غوانتانامو لديهم حق الطعن ضد احتجازهم أمام محاكم الولايات المتحدة الأميركية، ويخضعون كذلك للحماية بموجب قوانين الحرب، التي تشمل اتفاقية جنيف ودستور الولايات المتحدة.
لكنَّ هذه القضايا تعاملت مع مجموعةٍ متطرفة من الحقائق، احتُجِزَ فيها المتهمون لأجلٍ غير مسمى دون تهم، وكانت المحاكم أقل ودّية في قضايا أخرى متعلقة بالأمن القومي. وفي الحقيقة، رفضت المحكمة العليا مراراً وتكراراً النظر في قضايا متعلقة بالقاعدة العسكرية في كوبا.
وأيدت المحكمة الفيدرالية باستمرار نظام الأمن القومي لتسجيل الدخول والخروج، وهو برنامج بدأ تطبيقه في فترة حكم بوش وعُرِفَ باسم NSEERS، وكان يتطلب من الزائرين الذكور من دولٍ محددة تسجيل دخولهم لدى حكومة الولايات المتحدة الأميركية، واستهدف العرب والمسلمين على وجه الخصوص. (وأوقفت إدارة أوباما العمل بالنظام عام 2011، وألغت إطاره التنظيمي في ديسمبر/كانون الأول 2016).
وألغت المحكمة العليا هذا العام قرار محكمة استئناف فيدرالية يسمح بمقاضاة أعضاء سابقين رفيعي المستوى في إدارة بوش لأدوارهم بعد 11 سبتمبر/أيلول في اضطهاد الرجال المسلمين والعرب والشرق آسيويين.
ويتيح الدستور للسلطات التنفيذية سلطةً واسعة في قضايا الأمن القومي والهجرة، وهذا هو سبب ميل القضاة الليبراليين إلى عدم التدخل في عملية صنع القرار التي يقوم بها الرئيس في تلك المجالات.
المحكمة الدستورية العليا تميل لتأييد الحظر
تقول سحر عزيز، الأستاذة في كلية روتغرز للحقوق، التي تدرس في منحتها الجامعية التداخل بين سياسات الأمن القومي والعرق والحقوق المدنية- إنَّ المحكمة العليا قد تميل إلى تأييد دستورية قرار الحظر.
وصرّحت سحر لموقع "ذي إنترسيبت" الأميركي قائلةً: "لن يهتم القضاة بقرار حظر السفر"، مضيفةً أنَّ اهتمامهم الأكبر سيكون الآثار طويلة المدى المترتبة على إلغائه. وتابعت: "ما يفكرون فيه هو: لو كبحنا جماح السلطة التنفيذية، كيف سيؤثر هذا على سلطتها في المستقبل لو كانت هناك مشكلات أمن قومي فعلية، أو حين يكون هناك نزاع حول كيفية تطبيق قانون الهجرة؟".
وتابعت سحر أنَّ قرار المحكمة العليا بتأييد قرار الحظر سيسهل الأمور على ترامب لتنفيذ مقترحه بإنشاء سجل للمواطنين المسلمين في الولايات المتحدة، وهو اقتراحٌ طرحه في حملته الانتخابية، وكتبت سحر ورقةً بحثية تُحلِّل القابلية القانونية لتنفيذ أمر مشابه.
وقالت: "أعتقد أنَّه سيكون من الصعب بالنسبة للطاعنين ضد إنشاء سجل خاص بالمسلمين إثبات أنَّ ترامب الذي أصدر ثلاث نسخ من (قرار) حظر السفر يختلف بأي صورةٍ عن ترامب الذي أنشأ (نظام) تسجيل المسلمين، وإذا قبلت المحاكم حظر السفر ورأته قانونياً، إذاً فلماذا لن تقبل تسجيل المسلمين كذلك؟"، مضيفةً أن ترامب سيظل يواجه عراقيل سياسية وتنفيذية حتى وإن كان قد توفَّر الإطار القانوني لذلك الأمر.
وفي المقابل، إذا قررت المحكمة العليا إلغاء حظر السفر، فسيواجه ترامب حينها عراقيل قانونية في تمرير مقترح تسجيل المسلمين، وهو مقترح لم يتحدث عنه علناً منذ انتخابه، لكن يمكن أن يُصمَّم بنفس نموذج نظام الأمن القومي لتسجيل الدخول والخروج "NSEERS" الذي ألغاه أوباما.
وعلى مدار السنوات الـ16 الماضية، وُضِعَتْ سياسة الهجرة الأميركية في الأساس عبر منظور الأمن القومي، مع تركيز خاص على المسلمين أو هؤلاء الذين يُنظر إليهم باعتبارهم مسلمين.
لكنّ هذا النهج يعود في الواقع إلى قرونٍ مضت، إذ قال بيدون الذي درس الأصول القانونية لهوية العرب الأميركيين خلال عصر التجنيس، وهو الفترة بين عامي 1790 و1952 حين كان بياض البشرة شرطاً أساسياً للحصول على الجنسية الأميركية: "الهوية الإسلامية والإسلام كان ينظر إليهما دائماً باعتبارهما تهديداً للأمن القومي".
وكتب بيدون في ورقةٍ بحثية عام 2014 أنَّ القضاة آنذاك اعتبروا كلمتي "عرب" و"مسلمين" مترادفين لشيءٍ واحد، ولأن المسلمين لا يُعتَبرون بيض البشرة، فقد كان العرب غير مؤهلين للحصول على الجنسية، رغم أنَّ بعض العرب المسيحيين دحضوا بنجاح هذا الافتراض.
ولا يعني ما سبق القول إنَّ المتقاضين المسلمين لم يحققوا أي انتصاراتٍ في طعونهم القضائية ضد السياسات الأميركية المتعلقة بالإرهاب. فقد قضى العديد من محاكم المقاطعات الفيدرالية لمصلحة المسلمين الذين أُدرِجوا تعسفياً على قائمة حظر الطيران الحكومية، رغم استمرار نظر بعض الطعون القانونية ضد تلك القائمة.
ففي قضية حَسان ضد مدينة نيويورك -وهي دعوى قانونية للطعن ضد مراقبة شرطة نيويورك للمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 رفعها مركز الحقوق الدستورية بنيويورك- قارنت محكمة الاستئناف الدائرة الثالثة انتهاك الحكومة للحقوق الدستورية للمسلمين بما حدث أثناء نفي الأميركيين من أصول يابانية في معسكرات أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي سياسة أيدتها المحكمة العليا.
وقارنت محكمة الاستئناف كذلك بين آثار الوصم الذي يعاني منه المسلمون نتيجةً لمراقبة الحكومة وتلك التي عانى منها الأميركيون من أصولٍ إفريقية خلال عصر التعليم "المنفصل ولكن المتساوي".
وكتب القاضي توماس أمبرو: "تاريخ أمتنا يعطي درساً صعباً بأنَّ هؤلاء الذين لا يخضعون للتمييز يمكن أن يتغاضَّوا عن "وسم الدونية" الذي تسببه المعاملة غير العادلة نفسها"، مضيفاً أنَّ "تجاهل الأضرار الحقيقية والأكيدة للتمييز سيؤدي حتماً إلى الندم بعد وقوعه".