تخطت مأساة حلب حدود المدينة السورية المنكوبة، بل حدود سوريا، وأشعلت شظاياها تلاسناً برلمانياً في الكويت، يُنذر بحالة من الاصطفاف الطائفي.
حيث انقسم البرلمان إلى فريقين، أحدهما يؤيد قوات المعارضة السورية، ويندد بما حل بالمدينة الشمالية من قتل ودمار، وفريق آخر يدعم النظام السوري والتنظيمات الشيعية الأجنبية الموالية له، ويعتبر ما حدث تحريراً.
ولم يخل التلاسن، الذي وصل إلى شبكات التواصل الاجتماعي من مصطلحات مذهبية وطائفية، يعتبر مراقبون أنها "ليست وضعاً صحياً سليماً".
فعلى حسابه في موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، غرَّد النائب الكويتي، خالد الشطي (شيعي): "أهنئ الشعب السوري بتحرير حلب من أيادي الإرهابيين، وأستنكر العمليات الإرهابية التي ارتكبها هؤلاء الإرهابيون هناك".
الشطي تابع أن "مراقبين دوليين يسجلون للجيش السوري (جيش النظام) التزاماً تاماً بعدم التعرض للمدنيين، وإن كانوا بيئة حاضنة (للإرهابيين حسب قصده)".
ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أشاد بما اعتبر أنه "الأداء الإنساني الرائع، والحس المتقدم في المسؤولية الذي يبديه الجيش السوري في حماية الأهالي".
النائب الكويتي ختم بأن "البهجة والأفراح تعم حلب بعد عودة أحيائها المحتلة إلى حضن الوطن، وفرار الجبناء".
نواب إيران
تغريدات الشطي ردَّ عليها النائب الكويتي، وليد الطبطبائي (سني)، خلال وقفة احتجاجية أمام السفارة الروسية في الكويت، حيث قال: "مطلبنا هو طرد سفير دولة الإجرام، ولا عزاء لنواب إيران وكلابها النابحة".
وتدعم كل من روسيا وإيران النظام السوري عسكرياً وسياسياً، وهو ما مكن قوات بشار الأسد، بدعم كثيف من الطيران الروسي، من تحقيق مكاسب في الأحياء الشرقية من حلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية منذ عام 2012.
الطبطبائي وجَّه الدعوة إلى من سمَّاهم "النواب الشرفاء" من أجل "تقديم طلب رسمي وفق اللوائح المتبعة، والمُصادقة على قرار مجلس التعاون الخليجي بشأن حظر تنظيم حزبالة (حزب الله اللبناني) الإرهابي".
ولجماعة حزب الله مقاتلون في سوريا يقاتلون إلى جانب قوات الأسد في مواجهة قوات المعارضة، التي تطالب منذ عام 2011 بإنهاء حكم أسرة الأسد، وإقامة نظام ديمقراطي يتم فيه تداول السلطة.
إعلان الجهاد
مع مشاهد المدنيين القتلى والدمار الهائل في أحياء حلب الشرقية، لم يتوقف التلاسن في الكويت عند هذا الحد، إذ دعا حاكم المطيري، رئيس حزب الأمة (غير مرخص)، عبر حسابه على "تويتر" إلى "إعلان الجهاد".
فعلى حسابه، غرد المطيري بأن "الشيخ ابن باز يفتي بوجوب الجهاد، وهو فرض عين على كل قادر بالنفس والمال والكلمة لنصرة أهل أفغانستان وسوريا في جهادهم لعدم كفايتهم في دفع عدوهم!".
وعلى حد تقديره، فإن "أهل حلب لا يريدون من العلماء الدعوة للتضامن والاستغاثة بالمجتمع الدولي الذي يقتلهم، وإنما يريدون فقط بيان حكم الله في وجوب الجهاد معهم".
ليست قضية كويتية
الخشية من أخطار هذا الخطاب في الكويت، ولا سيما أنه صادر من "نواب الأمة" (البرلمان)، دفع الكاتب في صحيفة "الأنباء" الكويتية، صالح الشايجي، إلى كتابة مقال، نشرته الصحيفة، أمس الأول الإثنين 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016، بعنوان "حلب قضية كويتية".
الشايجي قال في مقاله: "لم نعرف الاصطفاف الطائفي البغيض والحقير مثلما عرفناه ورأيناه وسمعناه في أيامنا الكريهة هذه، ولم نر هذا الارتهان الرخيص لأجندة خارجية مثلما نرى من بعض المشحونين من أبنائنا، من فريقين متضادين متعارضين، كل منهما يحمل سيفه ليحز رقبة الآخر"، معتبراً أن "حلب، قضية سورية، إقليمية، عربية، عالمية، ولكنها بالتأكيد ليست قضية كويتية!".
الكاتب الكويتي حذر "من هذه العنتريات والتفلتات القولية والحركية لدى بعض المشحونين من الفريقين، التي لن تجلب لنا إلا المصائب"، داعياً إلى "إيقافها على الفور"، ومتسائلاً باستنكار: "فلماذا تُجر بلادنا على أيدي حفنة من السفهاء والمأجورين والمخدوعين والموهومين إلى منطقة كريهة بغيضة لا شيء فيها سوى التناحر والتباغض الطائفي المذهبي العنصري؟!".
الشايجي توجه إلى وزير الداخلية، داعياً إياه إلى أن "يسبق سوطه عدله، فهؤلاء أصحاب فتنة، في قلوبهم غل وحقد، وفي أيديهم نار يرومون حرق البلاد بها، هؤلاء لا تحذرهم، بل اسبقهم وكبّل أيديهم قبل أن يخرجوها من بواطنها".
السياسة الإيرانية "المغامرة"
وتحت عنوان "شيعة الكويت.. ومأساة حلب"، كتب الكاتب خليل علي حيدر (شيعي) مقالاً نشرته صحيفة "الجريدة" الكويتية الخميس الماضي 15 ديسمبر/كانون الأول 2016.
حيدر تساءل في مقاله: "لماذا تحولت مأساة حلب والمذابح السورية برمتها في الكويت إلى قضية، من اختصاص أهل السنّة والجماعات السلفية والإخوان المسلمين؟".
ومتوجهاً إلى الفريق الآخر، تابع تساءله: "لماذا وجد شيعة الكويت، حتى المتعاطفون مع عذاب أهل سوريا ونساء وأطفال حلب وغيرها، وكأنهم من مؤيدي سياسات النظام السوري ومناصري المذابح، وكل الإجراءات الطائفية والقمعية والانتقامية هناك؟".
الكاتب الكويتي اعتبر أن "السبب الأهم لهذا الانقسام الطائفي في الكويت إزاء المأساة السورية، هو ذلك النجاح الدعوي المذهل بين شيعة الكويت، منذ بدء الأزمة عام 2011، وخاصة للجناح المؤيد للولي الفقيه وللسياسة الإيرانية الخارجية المغامرة، ولاقتحام حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية وغيرها الأزمة، واشتراكها في الحرب السورية ضد المعارضة".