الموافقة الإيرانية على خطة السعودية المنافس الإقليمي اللدود لطهران،على تجميد إنتاج النفط لم تحدث نتيجة رغبة جديدة في التقارب السياسي مع الرياض بقدر ما هي نتيجة قبول حقيقة وجود عدو أكبر يواجه البلاد، وهو انهيار أسعار السلع الأساسية.
فقد أُغرقت السوق مؤخراً بالنفط الخام في الوقت الذي تراجع فيه الطلب على النفط من المستوردين الرئيسيين مثل الصين. وكما هو معروف أن الأوقات العصيبة تستوجب تدابير قاسية، وفقاً لتقرير نشرته "الغارديان" البريطانية.
إيران والسعودية تتنافسان في إنتاج النفط، وهما أيضاً خصمان لدودان في السياسة الإقليمية. وباختصار، فإن الحرب القائمة وتوتر العلاقات بين البلدين قد يجلبان ما هو أسوأ في الظرف الراهن.
المعروف أن التوتر الشديد في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ظهر جلياً في يناير/كانون الثاني الماضي بعد الهجوم على سفارة السعودية في طهران، وذلك اعتراضاً على إعدام رجل الدين الشيعي (سعودي الجنسية) نمر النمر، الذي عاش بمحافظة القطيف شرق المملكة.
علاقات مكدرة بين طهران والرياض
وتقف كلتا الدولتين في مواجهة الأخرى خلال الحرب الدائرة في سوريا واليمن، فتتشابك استراتيجيتهما التنافسية مع العداوة الطائفية بين البلدين، لتضيف عنصر الحرب بالوكالة إلى علاقة مكدرة بالأساس.
رغم ذلك المشهد السياسي غير المبشر، فقد حدثت بعض الخطوات الإيجابية تجاه حدوث اتفاق متعلق بإنتاج النفط، وارتفع سعر مزيج برنت الخام 7،5%، الأربعاء 17 فبراير/شباط 2016، بعد اجتماع حدث بين وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنه، ونظرائه في منظمة أوبك استغرق ساعتين ونصف من أجل الموافقة على الاتفاق الذي توصلت إليه السعودية وروسيا، الدولة غير العضو بمنظمة أوبك، قبل يوم من ذلك التاريخ.
وقال زنغنه: "إن إيران تدعم أي تدابير من شأنها أن تؤدي إلى استقرار السوق وزيادة أسعار النفط الخام". ومع هذا فلم يتطرق الوزير إلى النقطة الأهم المتعلقة بما إذا كانت بلاده ستخفض إنتاجها أم لا.
توافق على تجميد النفط
وسبق أن أعلنت إيران، التي تمتلك رابع أكبر احتياطي نفط على مستوى العالم، رغبتها في زيادة إنتاجها من النفط بعد رفع العقوبات الغربية عنها في يناير/كانون الثاني الماضي بسبب برنامجها النووي.
ولا يزال الستار غير مُسدل على المشهد الحالي، فقد صرّحت السعودية وروسيا أنهما ستجمدان إنتاج النفط عند مستويات يناير، فقط إن انضم منتجو النفط الرئيسيون، بما فيهم إيران، إلى هذا القرار.
وقد توسطت السعودية من أجل تنفيذ مثل تلك الاتفاقات في ثمانينيات القرن الماضي، لكن الاتفاق شهد تراجعًا عن الوفاء بالالتزامات من قبل روسيا ودول أخرى، ما أجبر الرياض على خفض مستوى إنتاجها من النفط ليصل إلى مليونين ونصف برميل في اليوم بعد أن كان 10 ملايين برميل يوميًا، ولم يؤثر ذلك كثيراً على أسعار النفط.
وواصل سعر البرنت الخام ارتفاعه الأسبوع الماضي ليسجل 36 دولاراً للبرميل وذلك بعد تصريح الجانب الإيراني، لكنه عاد وانخفض مرة أخرى الجمعة إثر بيانات من الولايات المتحدة الأميركية تفيد بأن مخزون النفط صار أكبر من أي وقت مضى.
ولا يزال السعر الحالي بعيداً بدرجة معقولة عن درجة الانحدار في سعر برميل النفط الذي وصل إلى أقل من 28 دولاراً للبرميل الشهر الماضي، لكنه بعيد تماماً عن السعر القياسي الذي وصل إليه في يونيو 2014، والمقدر بـ115 دولاراً للبرميل.
تجار ومستثمرو النفط اعتبروا أن التطور الذي شهده الأسبوع الماضي بادرة أمل إلى حد كبير، تشير إلى أن منتجيّ النفط توصلوا إلى المشكلة، وأنهم سيعملون على تنفيذ ما ينبغي من أجل عودة أسعار النفط إلى مستوياتها مرة أخرى.
ومع هذا، فلا يتوقع أن تزول الخصومة الدينية والسياسية بين السعودية وإيران في وقت قريب؛ فإدارة السعودية لعمليات الحج يعطيها شرعية في العالم الإسلامي السني، كما تعتبر إيران قبلة الشيعة حول العالم.
ويمتلك العرب والفرس سجلاً حافلاً بالتحيز، وإن كانت تلك العداوة بدأت تطفو على السطح خلال العصر الحديث في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وزادت في أعقاب الحرب العراقية عام 2003.
إيران وحزب الله في سوريا
وقد أرسلت إيران مؤخراً الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، بالإضافة إلى الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية إلى سوريا، بهدف الإبقاء على بشار الأسد في سدة الحكم بدمشق، في المقابل ترى السعودية أن إيران هي اليد الخفية وراء المتمردين الحوثيين الذين تسببوا في تفجير الوضع باليمن الفقير، بينما توجه طهران اللوم إلى السعودية بشكل روتيني، وتشير إليها أصابع الاتهام بالعمل مع أميركا.
الواقع أن السبب في توتر الوضع في الرياض يكمن في الاتفاق النووي الإيراني الذي حدث العام الماضي، والذي زاد من مخاوف المملكة من أن ينتهي الاتفاق السعودي الأميركي الذي استمر لعقود طويلة، وذلك بعد تقارب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع طهران.
سعي لرفع أسعار النفط
في الوقت نفسه، فقد أدت الاستراتيجية التي اتخذتها المملكة خلال 18 شهراً الماضية إلى نتائج عكسية، فقد كانت السعودية تضخ ما يزيد عن 10 ملايين برميل نفط يومياً، وتخفض أسعار النفط الخام الذي تنتجه في الأسواق الرئيسية.
ومن المعروف أن السعودية، أكبر مصدري النفط في منظمة أوبك، بحاجة إلى أن يصل سعر برميل النفط إلى 100 دولار من أجل الوفاء بالتزاماتها من الإنفاق العام.
وقد حذر صندوق النقد الدولي مؤخراً من أن الرياض سوف تستنفد احتياطيها النقدي خلال 5 سنوات إن ظلت أسعار برميل النفط أقل من 50 دولاراً، وذلك إن لم تتخذ المملكة خطوات نحو فرض الضرائب أو خفض الإنفاق، وهي الخطوة التي شرعت في اتخاذها بالفعل.
السعودية ترفع الضرائب
فقد زادت السعودية الضرائب خلال الشهور الماضية، بالإضافة إلى رفع الدعم الحكومي عن الوقود، كما أعلنت عن مقترح بخصخصة جزء من شركة أرامكو للمنتجات البترولية المملوكة للدولة، في إشارة واضحة لحاجة المملكة للسيولة النقدية.
وحتى هذه اللحظة رفضت القوة المهيمنة على منظمة أوبك أن تعود إلى دورها التقليدي القائم على موازنة السوق من خلال تنظيمها لعملية خفض الإنتاج، لكن الاتفاق المقترح مع روسيا الذي حدث الثلاثاء يوضح رغبة في الخروج من المأزق.
وتريد إيران بالتأكيد أسعاراً أفضل للنفط لمساعدة اقتصادها الذي عانى من العقوبات الاقتصادية، ففي عام 2011 كانت تنتج 3،6 مليون برميل يومياً، إلا أن هذا الإنتاج انخفض حالياً إلى مليونين و800 ألف برميل، في حين انخفض حجم الصادرات إلى مليون و100 ألف برميل، وهي نصف الكمية التي كانت تصدرها قبل العقوبات.
على الرغم من ذلك، تعهدت إيران برفع إنتاجها وليس العكس، فبعد اتفاق رفع العقوبات التاريخي مع الولايات المتحدة في 16 يناير الماضي، تعهدت طهران بضخ نصف مليون برميل إضافي إلى السوق في أقرب وقت ممكن.
منظمة أوبك للنفط لا تسعى لتخفيض كميته
مما لا شك فيه أن مؤشر سعر البترول يمثل مشكلة كبرى بالنسبة للدول المنتجة، حيث بدأت الأزمة منذ عام ونصف عندما تفاجأ الجميع بارتفاع الإنتاج الأميركي من النفط الصخري وأن منظمة أوبك للنفط لا تسعى لتخفيض كميته، في الوقت ذاته استمرت السعودية في ضخ كميات كبيرة من النفط في الأسواق بالإضافة لعدة دول أخرى أملاً في إخراج النفط الصخري الأغلى نسبياً من المنافسة.
ربما تكون تلك الاستراتيجية ناجحة إلى حد ما حتى الآن، إلا أن نتائجها بطيئة للغاية لدرجة أثرت بشكل كبير على الاقتصاد السعودي وعلى دول أخرى تعتمد على عائدات النفط بشكل أساسي. ويعتبر إنتاج النفط الصخري أقل حالياً بمقدار نصف مليون برميل عن الإنتاج في أبريل/نيسان 2015 وفق تقرير وزارة الطاقة الأميركية، كما يتوقع أن يستمر الانخفاض بمقدار نصف مليون برميل أيضاً بنهاية هذا العام.
وكان الإنتاج الأميركي قد استمر في الارتفاع سنوياً بنسبة تبلغ 15% عندما كانت أسعار خام النفط تزيد عن 100 دولار للبرميل، إلا أن هذه الزيادة توقفت تماماً حالياً على الرغم من محاولات المنتجين في أميركا مواصلة الضخ بنفس الكميات عن طريق محاولة تقليل نفقات الإنتاج.
الأرقام الأخيرة التي أعلنتها شركة بيكر هيوز تظهر وجود 540 منصة حفر لإنتاج النفط الصخري حالياً، وهو ما يقل عن العام الماضي بمقدار 800 منصة، في حين بلغت حالات الإفلاس أرقاماً قياسية تتجاوز وقت الأزمة الاقتصادية الكبرى في 2008-2009.
منتجو النفط الصخري يريدون ربحا
وأراد منتجو النفط الصخري تثبيت سعر البرميل عند 70 دولاراً، وهو ما يضمن لهم ربحاً جيداً، وفق ما أعلنه المحلل النفطي فاضل غيط من شركة Oppenheimer & Co، في حين أن النفط العادي يستطيع الصمود عند 50 دولاراً للبرميل.
ويبقى السؤال الأكبر الآن: هل سيتوقف الإنتاج حالياً؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألن يعطي ذلك دفعة قوية لمنتجي النفط الصخري؟ الجميع قلق بهذا الشأن، كذلك توم نيلسون من شركة Investec Asset Management يعتقد أن أسعار النفط ستبلغ 60 دولاراً للبرميل مع نهاية 2016، لكن هذ الرأي يلقى بعض المعارضة، فيعتقد البروفيسور بول ستيفنز، وهو خبير في الطاقة بمعهد Chatham House البريطاني، أن الاتفاق السعودي الأخير سيكون بلا فائدة في النهاية، ويتوقع أنه مع نهاية العام سيتراوح سعر خام برنت بين 25 و50 دولاراً للبرميل.
ويضيف ستيفنز: "كمية الآبار الصخرية التي تم حفرها في الولايات المتحدة ولم تكتمل يمكن أن تستكمل وتساهم في ضخ المزيد مع حدوث أي ارتفاع نسبي للسعر، ما يعني أن سعر البرميل لن يتجاوز 55 دولاراً بأي حال من الأحوال في الفترة القادمة".
هذه المادة مترجمة عن صحيفة الغارديان البريطانية لقراءة النص الأصلي اضغط هنا.