الغارديان: رؤية محمد بن سلمان للإصلاح صاحبها تراجع لسلطة “الهيئة”.. فهل تشهد الأيام القادمة نهاية دورها؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/22 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/22 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش

في شوارع الرياض، وبالتحديد في مراكز التسوق والأماكن العامة، كانت لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، منذ فترةٍ طويلة، رهبةً هائلة؛ إذ كانت قادرةً حتى على التدخل في حياة الناس الشخصية، وتمتعت بصلاحياتٍ لم يستطع التصدي لها سوى قليلين، فارضةً صورة شديدة التحفظ من الإسلام كعقيدة للمجتمع.

لكن في وقتٍ سابق من هذا العام، وفي إحدى أمسيات الشتاء، طرأت نقطة تحوّل كطوق نجاة لأولئك الذين كانوا يعانون من خوفٍ دائم من سلطاتها. فحينها وُضِعَ شعارٌ طويل، يبلغ طوله 10 أمتار، يعلن عن البرنامج الإصلاحي في البلاد على جانب أحد مقرات هيئة الأمر بالمعروف في ضواحي المدينة، تحت مُسمَّى "رؤية 2030″، ولم يجرأ أحدٌ داخل المبنى على التدخل بإزالته، حسب ما ذكر تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

قال أحد رجال الأعمال البارزين في الرياض: "كانت هذه طريقة الحكومة لكي تقول: (نحن أقوى منكم)، وحينها عرف الناس أنَّ الهيئة لم تعد تتمتع بسطوتها السابقة، فقد فقدت صلاحياتها في اعتقال الناس قبل عام، والآن فقدت حتى اعتبارها لدى الناس".

وصاحب تراجع مكانة الهيئة وسلطاتها صعود وجهٍ جديد طموح في المملكة، الأمير محمد بن سلمان، الذي نجح في الوصول للسلطة بعد رحلةٍ لم يسبقه إليها أحد في تاريخ المملكة الحديث.

وعُزِّزت مكانة الأمير السعودي الشاب، أمس الأربعاء، حين عيّنه والده الملك سلمان ولياً للعهد، مطيحاً بابن أخيه، محمد بن نايف، ليمنح نجله بذلك سلطاتٍ غير محدودة كعنصرٍ للتغيير. وتم تفويض ولي العهد الجديد بسلطاتٍ هائلة، تبدأ من إصلاح اقتصاد البلاد المعتل، والعمل على تحويل مجتمع السعودية المغلق إلى مجتمعٍ مفتوح، وإبراز نفوذ الرياض التي كانت متحفظةً طوال الأعوام الأخيرة بطرقٍ جديدة فعَّالة.

وبإعلانه هذه الخطوة، نقل الملك سلمان، حرفياً، مملكته إلى عاتقي ابنه الشاب، مضيفاً إلى لائحة واجباته الممتلئة بالفعل مهام كبيرة للغاية، لكنها يجب ألا تلهيه عن أكثرها أهمية، أي البرنامج الإصلاحي الذي سيمتد إلى 15 عاماً، والذي يراه الكثيرون في الرياض الحل الوحيد القابل للتطبيق لمواجهة هذا الخطر الوجودي أمام البلاد.

وعبَّر كبار المسؤولين عن تغيراتٍ ضخمة تحدث في المملكة، بدايةً من التعاون مع القطاع الخاص، وإنشاء دور السينما، وإقامة الحفلات الموسيقية -وإن كانت للرجال فقط- وطرح مسألة قيادة النساء سياراتهن للنقاش أيضاً.

ورغم تصريح بعض سكان الرياض لصحيفة الغارديان البريطانية بأنَّهم لن يصدروا أي أحكام على هذه الإصلاحات إلى أن يتم تنفيذها، فالحديث عن التغيير بدأ يتردَّد صداه فعلاً.

وقالت سمية فيَّاض، التي تعمل مساعدةً بمتجرٍ في أحد أشهر مراكز التسوق في الرياض: "هناك تغيير يحدث هنا بالتأكيد، وأصبح شعوري تجاه الحياة في الرياض مختلفاً، لم أعد أشعر بأنِّي مقيدة. فهناك تقدم في الحريات الشخصية، ولم نعد نخاف بنفس القدر".

تقليص للصلاحيات

وأطلق في (14 مايو/أيار 2017) خطة تطوير وتعزيز العمل الميداني للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية) السعودية، والتي سيتم تطبيقها كمرحلة تجريبية لمدة شهرين بمنطقة الرياض.

وكشفت الهيئة، وفقاً لما نقله موقع دويتش فيله عن صحيفة "الرياض" السعودية، عن ملامح خطة التطوير والتعزيز والتي تحصر عمل العضو الميداني في "النصح والإرشاد"، فيما سيتم تحويل جميع البلاغات من الفرق الميدانية عبر نظام "أمان" إلى جهات الاختصاص.

وحصرت مهام العضو الميداني في قيامه "بالنصح والتوجيه عند مشاهدته لأي منكر"، والرفع بحسب المعلومات المتاحة بجميع "المنكرات"، التي لم تتغير بـ"النصح والتوجيه".

في نيسان/أبريل من عام 2016، توّجت حملة الانتقادات التي قادها معارضو الهيئة الدينية أو "الحسبة"، كما كان اسمها عند التأسيس، بصدور قرار حكومي غير مسبوق، قلّص من صلاحياتها ومنع أعضاءها من إيقاف الأشخاص، أو التحفظ عليهم، أو مطاردتهم أو طلب وثائقهم، أو التثبت من هوياتهم أو متابعتهم، ليقتصر دورهم على إبلاغ أفراد الشرطة أو إدارة مكافحة المخدرات عن الاشتباه بشخص معين.

وكانت الهيئة، قبل صدور قرار تقليص صلاحياتها، تسيّر دوريات في المناطق العامة لتطبيق حظر المشروبات الكحولية، وتشغيل الموسيقى الصاخبة في أماكن عامة، والتأكد من إغلاق المحال وقت الصلاة، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء من غير المحارم، وتفرض أيضاً "ضوابط للحشمة" في ملابس النساء، ولديها وحدة خاصة بجرائم ابتزاز الفتيات.

هل يُنهي التحالف مع رجال الدين؟

لكن الغارديان أشارت إلى أنه بمرور عامين على بدء هذه الإصلاحات التي أطلقها بن سلمان، أشعلت السعودية حرباً في اليمن، وحاولت قيادة حربٍ أخرى في سوريا، وفتحت اقتصادها للأجانب، وخططت لطرح أسهم أكبر أصولها، شركة أرامكو للنفط المملوكة للدولة، في الأسواق العالمية، وانتقدت بقوة عدوها الإقليمي إيران، وحاصرت حليفها السابق قطر.

وقد أُعطِيَ محمد بن سلمان حصةً رئيسية من كل شيء، ليقف بذلك أمام شخصياتٍ قوية في العائلة المالكة، وغيرهم الكثير. أضف إلى هذه التحديات المواطنين الساخطين، الذين سارعوا بمعارضة قرار خفض الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية.

وقد كشفت هذه التغيُّرات حدود سلطة الدولة، وأبرزت إرادة شعبٍ سريع الغضب، الشعب الذي لم يقتنع كثيرٌ منه بعد بأنَّ تغييراً بهذا الحجم هو في مصلحتهم.

وقال مسؤولٌ غربي في الرياض: "مشكلتهم هي أنَّ القاعدة الشعبية كانت دائماً أكثر تحفظاً من قيادة البلاد نفسها. وبعض المسؤولين الكبار يصفون ما يجري بأنَّه ثورةٌ ثقافية متنكرة في صورة إصلاح اقتصادي، لكن هناك احتمال بأنَّهم يستبقون الأحداث".

وبغض النظر عن التحذيرات، فإنَّ المعاقل التي لطالما كان يُنظر إليها على أنَّها صعبة المنال أصبحت الآن مستهدفة. إذ كان التوافق بين رجال الدين المتشددين، الذين يمثلون الطابع الوطني للمملكة، وبيت آل سعود، الذين يديرون شؤون الدولة، هو أساس قيام المملكة الحديثة، وكان كلا الجانبين يعتمد على الآخر للحفاظ على السلطة.

وقد أخبر محمد بن سلمان العديد من القادة العالميين بأنَّ هذا "الاتفاق" يحتاج إلى تغييراتٍ من أجل بقاء الدولة الحديثة.

وتقول مضاوي الرشيد، أستاذة الإنثروبولوجيا بكلية لندن للاقتصاد في مركز الشرق الأوسط: "إنَّ هذا الاتفاق قائم منذ تولي الملك عبدالله الحكم في عام 2005. وبمجرد صعود سلمان إلى السلطة، صرنا نرى علاماتٍ تشير إلى محاولاتهم لإعادة تعريف الوهابية (تفسير متحفظ جداً للإسلام السني) باعتباره تقليداً دينياً محدوداً ومسؤولاً فقط عن التقوى الشخصية، لكن ليس له أي دخل على الإطلاق في الطريقة التي تُدار بها المملكة".

وتابعت: "لكنَّ المشكلة بالنسبة للأسرة الحاكمة هي أنَّ الوهابية أضحت عقيدة داعمة لأعمال تنظيم (داعش). واستُخدِمَت الفتاوى والآراء الدينية السعودية لتشجيع الناس على الانضمام إلى الجماعات الإرهابية".

ونفت الرشيد كون برنامج الدولة برنامجاً إصلاحياً، إذ قالت: "التقاليد الوهابية متجذرة بعمق في نظام المملكة. إنَّهم يسمحون ببعض الحريات الشخصية محاولين أن يلهوا الناس عن الصورة الكاملة للأمور"، واصفة ما يحدث بأنها "ليبرالية كوزمولوليتانية"، حسب تعبيرها.

خريطة العائلة المالكة في السعودية

هل يكون هذا الأملاً سابقاً لأوانه؟

ويقر كبار المسؤولين السعوديين بالحاجة إلى التقليل من التقاليد والممارسات التي تحد من الحريات الشخصية وحقوق الإنسان، لاسيما بين النساء والأقليات، بل وحتى التنصل منها.

وقال مساعدٌ وزاري: "لم نعد كارهين للتغيير، بل صرنا نتبناه ونعرف أنَّه لم يعد بإمكاننا الاعتماد على العالم المتقدم في توجيهنا".

ويؤكد بعض السعوديين أنَّ هناك إجراءاتٍ صغيرة تشير بالفعل إلى انفتاحٍ جديد على التفسيرات الأخرى للإيمان.

وقال طلال مالك، الرئيس التنفيذي لمجموعة "ألفا 1 كورب" التي تتخذ من السعودية مقراً لها: "خلال قمة الرياض الأخيرة، خطب اثنان من أكثر علماء الإسلام تأثيراً في مؤتمرٍ عن الشبكات الاجتماعية يتألف من شباب وشابات سعوديين.

وتابع طلال: "لقد حقق وليّ العهد نجاحاتٍ كبيرة في كسب دعم واحدة من أهم الفئات السكانية في المملكة، إن لم تكن أهمها، وهم الشباب، الذين يرغبون في المساهمة في بناء دولة بمقدورها أن تنضم لدول مجموعة العشرين التي تتسم بالحداثة والديناميكية".

لكن لا يوافق جميع أهل الرياض على ذلك، إذ عبَّر طالبٌ يبلغ من العمر 24 عاماً بلهجةٍ أميركية ممتازة عن استنكاره لما يحدث، قائلاً: "إنَّ أهم 11 حساباً على تويتر هنا لرجال دين سلفيين. نحن نتحدَّث عن أكثر من 20 مليون شخص يعتمدون تماماً على كل ما يُنشر على هذه الحسابات، ولن يقبلوا هذا النوع من التغيير. لن يحدث هذا أبداً".

تحميل المزيد