ثورة نادية

كم امرأةٍ خلف الأبواب المغلقة تتمنى أن تكون (نادية)؛ كم منهن تعيش كالتي رقصت على السلم، فلا هي مطلقة، ولا هي سعيدة في زواجها، فقط لتربي أولادها، كم امرأة خلف الأبواب المغلقة تعيش بمنطق (أهي عيشة والسلام)، كم امرأة تعيش بمنطق "ضل راجل ولا ضل حيطة" كم امرأة خلف الأبواب المغلقة تتمنى أن تكون (نادية).

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/30 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/30 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش

كخرقة بآلية خمشتها أظافر الحياة فتهرَّأت أنسجتها ونزفت سنوات عمرها.. كان شعورها، لم تثنها سنوات عمرها التي شارفت على الخمسين، ولا أولادها الأربعة الذين يرتعون في ريعان الشباب، ولا حفيد لها، عن أن تختار أن تفارقه.

اختارت أن ترتق خرقتها، وترقعها بألوان زاهية مختلفة عن ألوانها المعتادة، لتمنحها عمراً جديداً و"نيولوك" جديداً، يناسب اختيارها الصادم.

ضرب الرأس غيظاً وأعياه التفكير في السبب الذي من أجله تركت له بيت الزوجية واختارت أن تقيم لدى أختها.

توسل لها أن تخبره عن السبب، وأرسل لها الوسطاء لعل أحدهم يأتيه منها بخبر يقين عن سبب واحد منطقي لفراقها له، فلم يحر منها جواباً.
لم يخنها ولم يضربها ولم يهنها، هكذا اعترفت لكنها رفضت عشرته..

برغم رغد العيش وبرغم سطوة عائلته ونفوذها وثرائها، تركت "نادية" كل ذلك وراءها وانطلقت لا تلوي على شيء، لا تردد سوى أنها فقط كرهت عشرته.

في فضفضة قديمة لها وعلى الرغم من سطحية معرفتي بها، إلا أنها ولدهشتي أسرَّتْ لي أنه منذ اليوم الأول لزواجها وحتى فارقته كان يغمض عينيه في لحظاتهما الخاصة، وأن هذا كان يجرح مشاعرها، دُهِشْتُ وقتها كثيراً من جرأتها، وتعجبت من تلك التي تخرج أسرار غرفة نومها لواحدة لا تربطها بها سوى صحبة نزهة عابرة، وظننت بها جرأة غير محمودة، لكنني الآن فهمت سر تلك الجرأة.

لقد اختارت "نادية" أن تفضفض لشخص لا تربطها به صلة، وليس من مصلحته أن يشي بها، حتى لو فكر بالوشاية فلن يجد طرفاً مشتركاً ليشي له.

كان اختياراً ذكياً للفضفضة، كمن يفضفض أمام المرآة، الفرق أن المرآة لن تنفعل معها ولن تتجاوب معها، لكن هذا الشخص العابر المحايد سيفكر معها لعلها تجد على عقله هدى.

أدركتْ بعدها أن الزوج كان يغمض عينيه في أشياء أخرى ومواقف أخرى ومشاعر أخرى دفعتها دفعاً لفراقه.

شغلت بالي كثيراً وما زالت تشغله بالرغم من أني لم أرها سوى مرتين، كيف لامرأة شرقية وزوجة لرجل شرقي أن تثور لأنوثتها -وأنوثتها فقط – وتأخذ قراراً تعلن فيه أنها ليست أمًّا فقط ولا مديرة منزل فقط، بل امرأة تحتاج للمشاعر أكثر من حاجتها لإسورة ألماظ، اختارت أن تحمل لقب مطلقة عن أن تحمل زوراً لقب زوجة.

احترم أولادها اختيارها، وكان هذا هو اللغز الآخر الذي شغل بالي وأرهق تفكيري، لماذا اختار الأولاد منذ اليوم الأول ألا يتدخلوا بالصلح، أو حتى بالضغط كما هو الحال في هذة الظروف، لماذا وافقت البنتان وهما في سن الزواج ألا تتدخلان، ولماذا لم يساورهما القلق حيال مصيرها إذا ما أتى خطيب فوجد البيت بلا أم، كيف استطاعت إقناع أولادها الأربعة بمتانة موقفها، وهي التي لا تقول له أو للوسطاء "لا سبب غير أني كرهت عشرته".

كم امرأةٍ خلف الأبواب المغلقة تتمنى أن تكون (نادية)؛ كم منهن تعيش كالتي رقصت على السلم، فلا هي مطلقة، ولا هي سعيدة في زواجها، فقط لتربي أولادها، كم امرأة خلف الأبواب المغلقة تعيش بمنطق (أهي عيشة والسلام)، كم امرأة تعيش بمنطق "ضل راجل ولا ضل حيطة" كم امرأة خلف الأبواب المغلقة تتمنى أن تكون (نادية).

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد