علَّمونا.. ولم يعلِّمونا

علمونا: أن نعامل الناس على أنهم صنفان: ملائكة أخيار أو شياطين فجّار، ولم يعلمونا: ألا نعاملهم على أنهم ملائكة فنكون مغفلين بينهم، ولا على أنهم شياطين فنكون شياطين مثلهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/19 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/19 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش


علمونا في صغرنا أشياء اعتبرناها مسلماتٍ، ولما كبرنا اكتشفنا خطأ بعضها ونقص البعض الآخر.. اكتشفنا ما لم يعلمونا.

علمونا: أن القناعة كنز لا يفنى.. ولم يعلمونا: أن الطموح كنز لا يبلى.
علمونا: الذي سكت سلم.. ولم يعلمونا: من سأل تعلّم.
علمونا: ما كل ما يتمناه المرء يدركه ** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
ولم يعلمونا: تجري الرياح كما تجري سفينتنا ** نحن الرياح ونحن البحر والسفن.
إن الذي يرتجي شــيئاً بهمّتهِ ** يلقاهُ لو حاربَتْهُ الإنسُ والجنُ.
فاقصد إلى قمم الأشـيـاءِ تدركها ** تجري الرياح كما رادت لها السفنُ.

علمونا: أن من يتوكل على الله فهو حسبه، ولم يعلمونا: أن الأخذ بالأسباب من صميم التوكل، وأن تركها هو التواكل بعينه.

علمونا: الكفاف والعفاف، ولم يعلمونا: نعم المال الصالح للرجل الصالح.
علمونا: أن من التوحيد نبذ الشرك وعبادة الأوثان والقبور، ولم يعلمونا: أن من التوحيد أيضاً نبذ أوثان السياسة وتأليه الأشخاص.

علمونا: أن الحلم والعفو فضيلة، ولم يعلمونا: أن السكوت عن الظلم الفردي فضيلة وأن السكوت عن الظلم الاجتماعي رذيلة.

علمونا: أن الأجر العظيم في بناء الجوامع، ولم يعلمونا: أن إطعام جائع خير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع وخير ممن صام الدهر والحر واقع، فيا بشرى لمن أطعم الجائع.

علمونا: أن صلاة الجنازة من فروض الكفاية، ولم يعلمونا: أن الأخذ والتمكن من علوم الأديان والأبدان والعمران أيضاً من فروض الكفاية.

علمونا: لعن السياسة والسياسيين، ولم يعلمونا أن الرسول الأمين هو من أكبر القادة السياسيين والعسكريين، حتى إن باحثاً من غير المسلمين بحث وفكَّر وقدَّر، فقرر أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- أعظم شخصية في تاريخ البشر.

علمونا: أنه "مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً"، علمونا أن القتل إزهاق لأرواح الأفراد والمجتمعات، ولم يعلمونا: أن القتل أيضاً يكون معنوياً، بقتل الأمل والطموح والرغبة في العمل وفي الحياة، فيصبح الأفراد والمجتمعات في حالة موات "أرواح ميتة في أجساد حية".

علمونا: "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) بالتبرع بالدم أو بالعمل في مهن الطب والتمريض والحماية المدنية، ولم يعلمونا: أن هناك إحياءً معنوياً وروحياً وفكرياً بالبعث النفسي للمجتمع بـ"تغيير إيجابي في عالم المشاعر، من السلبية والإحساس باليأس إلى التفاعل والإنجاز والشعور المتجدد بالحياة"، حسب الدكتور جاسم سلطان.

هذا الإحياء يكون بغرس الإيمان برسالة الإسلام في قلب الفرد وتحريره من القابلية للاحتقار والاستحمار والاستعمار، ببعث العزة في نفسية الفرد وتحريره من الدونية وعقدة النقص، وبنشر الوعي بين أفراد المجتمع، ودفع أفراده للعمل والمضي في الحياة قُدماً، وغرس الأمل بالمستقبل الزاهر.

علمونا: أن نعامل الناس على أنهم صنفان: ملائكة أخيار أو شياطين فجّار، ولم يعلمونا: ألا نعاملهم على أنهم ملائكة فنكون مغفلين بينهم، ولا على أنهم شياطين فنكون شياطين مثلهم، كما قال مصطفى السباعي.

علَّمونا في الصغر أشياء اعتبرناها مسلماتٍ ولما كبرنا اكتشفنا خطأ بعضها ونقص البعض وصحة البعض الآخر.
علَّمونا:.. ولم يعلِّمونا:… فيا معلم إبراهيم علِّمنا ويا مفهِّم سليمان فهِّمنا.


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد