شعب متديِّن بطبعه

في الصباح ذهب إلى العمل، جلس على مكتبه المتهالك أمام جهاز كومبيوتر رديء، كان الناس يتبادلون الشتائم بسبب طيلة الوقوف في الطابور، وكثرة انقطاع الإنترنت، دخل من بين الصفوف شخص يحمل توصية من أحد معارفه المهمّين، اضطر أن ينهي له أوراقه أولاً وسط نظرات الناس الغاضبة، نزل إلى القهوة بعد الغداء ليشاهد المباراة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/08 الساعة 03:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/08 الساعة 03:19 بتوقيت غرينتش

خرج من صلاة الجمعة، فوجئ بالإمام يتم القبض عليه أمام المسجد، عرف أن الخطبة المكتوبة كانت عن مصر، لكن الإمام سها وتحدث عن سيدنا يوسف، عندما حوكم في مصر، وقرأ آية "ليسجننه حتى حين".

اصطحب ابنه إلى المكتبة ليشتري له بعض القصص، وفي الطريق اشترى للصغير "ساندويتش" من إحدى العربات التي تبيع لحماً مجهول الهوية في زيت غريب اللون؛ لأن الصغير كان جائعاً، والطريق كان طويلاً، ولا أمل في ركوب مواصلة عامة وسط الزحام الشديد، والتاكسي مكلف للغاية.

اشترى لابنه ثلاثة كتب بمائة وخمسين جنيهاً؛ لأنه وعده بذلك إذا نجح، وقد نجح فعلاً بمجموع عادي، بعد ما صرف عليه في دروس خصوصية ومذكرات نصف راتبه تقريباً على مدار العام.

أثناء العودة فوجئ بأحد الكتب يتشذرم من تلقاء نفسه، وتتطاير صفحاته، عرف من أحد المارة أنه كتاب تقليد، مطبوع بخامات رديئة، وأنه لا يساوي سوى خمسة جنيهات فقط، عاد إلى الرجل الذي خدعه ليرد له الكتب، فوجده يحمل آلة حادة يهدد بها شخصاً آخر يرغب في إعادة كتب أخرى رديئة له.

كان المغص قد تمكَّن من ولده الصغير فاصطحبه إلى المستشفى، كان المستشفى مزدحماً جداً، أغلب الحالات لعراكات، والدم متساقط في كل مكان، والرائحة كريهة للغاية، انتظر طبيب الباطنة على الأرض؛ لأنه لا يوجد مكان للجلوس.

سمع أهالي أحد المرضى يتحدثون عن أن ابنهم أتى لتركيب منظار، فانتهى به الحال في غيبوبة منذ شهرين، ظل منتظراً، والمغص يعصف بأمعاء الصغير، حتى أتى الطبيب أخيراً مكفهر الوجه، يسير متأففاً، أخبر الممرضة التي كانت تتناول طبق إندومي أنه تأخر؛ لأن سيارته سُرقت بطاريتها، كشف على الطفل بسرعة وكتب عدة أدوية.

خرج الرجل حاملاً طفله إلى الصيدلية، أخبره الصيدلي -الذي يحمل شهادة دبلوم تجارة- أن الأنواع المكتوبة غير موجودة؛ لكي يصرف له أنواعاً أخرى بديلة من التي يستوردها لحسابه، أخذ الطفل الدواء وبدأ يتحسن قليلاً، فكر في أن يشتري بعض الفاكهة لصغيره المريض، وجد بائع الفاكهة يبيع البرقوق بخمسين جنيهاً للكيلو، لمجرد أنه عليه ملصق "فاكهة سوبر"، لكن لا يوجد أحد غيره يبيع البرقوق المستورد.

في الصباح ذهب إلى العمل، جلس على مكتبه المتهالك أمام جهاز كومبيوتر رديء، كان الناس يتبادلون الشتائم بسبب طيلة الوقوف في الطابور، وكثرة انقطاع الإنترنت، دخل من بين الصفوف شخص يحمل توصية من أحد معارفه المهمّين، اضطر أن ينهي له أوراقه أولاً وسط نظرات الناس الغاضبة، نزل إلى القهوة بعد الغداء ليشاهد المباراة.

اشتد العراك بين جماهير الفريقين وتبادل السباب، كان الوجود الأمني ضعيفاً، رغم أنه كان معروفاً مسبقاً أن مباراة القمة ستشهد اندلاع اشتباكات، بسبب الشحن الإعلامي من إعلاميين رياضيين، انتهى الأمر بمقتل عشرين مشجعاً.

عاد إلى المنزل ليتابع الأخبار، فوجد المذيع المنافق الشهير يتحدث عن أن المشجعين هم المخطئون بالذهاب لمشاهدة مباراة كرة قدم، وأن الأمن ليس له صلة، قام بتغيير المحطة إلى قناة الشيخ الذي كان يتابعه دوماً، وجده يتحدث في أمور شكلية في الدين، ولا يتطرق إلى أي من القضايا المهمة، غيّر المحطة إلى قناة مجلس الشعب، فوجد النواب يتبادلون الاتهامات بالخيانة والعمالة، بسبب أن أحدهم كان يقضي إجازته في إسرائيل.

الغريب أن هذا الشخص عضو في لجنة الأمن القومي في مجلس الشعب، خرج إلى البلكونة ليشم بعض الهواء، فانزعج من أصوات الأغاني الشعبية غير المفهومة، فدخل إلى الحمام، وجلس فيه يقضي حاجته، ويفكر في الشعب المتدين بطبعه!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد