لم أكن أعلم أنني سوف أعاني بهذا القدر، مساحة كبيرة جداً بين ما أقوم بدراسته من أسس تعليمية وتربوية وبين ما هو واقع في مدارس المحروسة، مناهج ملتوية ومعقدة وُضعت لتعجيز الطالب، أساتذة قرروا العصيان ضد التعاليم التربوية وضربها بعرض الحائط، متابعون قرروا إعلان الصرامة الدنيئة والقوة المتعفنة ضد المعلمين للتقليل من شأنهم، الفصول امتلأت بالمتعلمين الأمّيين.
الجدران قررت ترسيخ المبادئ والقرارات المغلوطة، طابور الصباح ما زال روتينياً بحتاً، ما زلنا نمارس رياضة الثلاث تصفيقات، لعنة الله على من اخترع تلك الرياضة.
لا أعلم هل إذا ضربت الأرض برجلي لعدة مرات هل يساعد على إجراء الدورة الدموية أم لا؟
إذاعة مدرسية لم تتغير منذ قرون، ما زلت أستمع إلى حكمة (مَن جَدّ وَجَد ومَن زرع حصد) منذ كنت بالابتدائية، ما حرمني الله منها.
لا أجد أي اشتياق لفترات الطفولة؛ لأنني بمجرد دخولي في مهنة التعليم لم أجد أي تغيير أو أي فارق، لم ننهض منذ ابتدائيتي.
على كل حال فالميكروفون ما زال رديئاً ولا يسمح للطلاب بسماع أي حرف، لا أعلم من أي مقلب قمامة وجدوه.
إهانات متعددة للطلاب، فصل متكرر لأيام، أولياء أمور أعلنوا الحرب ضد المعلمين وكأنهم أعداء لأبنائهم، لم يعد هناك هيبة ولا احترام للمعلم.
صراخ متكرر من كل ناحية، لم أعلم أنني أملك هذا الصوت الصارخ القوي إلا عندما دخلت الحرم المدرسي، رحمه الله.
الطلاب تغيروا، لا أعلم من أين تلك الثورة والعنف الذي بداخلهم، قبل دخولي وجدت الناصحين من كل جانب يحثونني على أن أكون شخصية صارمة وقوية حتى أصبح إدارية ومعلمة جيدة، منذ متى أصبح التعليم صارماً؟
كنت أسخر كثيراً من هذه النصائح، حتى أصبحت أنا من أنصح بالصرامة، واقع مختلف تماماً، واقع دموي عنيف، هذه المهنة هي أقرب المهن للحياة الآخرة، فهي تذكرة لمن يريد اللحاق بالسلف الصالح، ستجد من كل الأمراض ألواناً شتى، الضغط والسكر والقلب وأمراض الحنجرة والأحبال الصوتية والجلطة والشلل، أعلم أن أكثر المعلمين يعانون من هذه الأمراض، ولكن الواقع أن كل المعلمين بلا استثناء يعانون من أمراض الأعصاب.
وفي نهاية الشهر نحصل على بعض الأموال الرمزية كألف وثلاثمائة جنيه، ومُطالَب منك كمعلم أن تعيش أنت وأسرتك بهذا المبلغ، وأن تحترم مهنة التدريس.
ما يشعرك بالخيبة أن بعضاً من المعلمين للأسف انصاعوا لرغبات الطلاب خوفاً منهم، وقد شهدت أكثر من موقف لضرب الطلاب لمعلميهم.
أسلوب تحضير روتيني جداً، لا أجد له أي قيمة، أقوم بتحضير الدرس من أجل المتابعة فقط، ولكني في الفصل أتبع أساليب أخرى تناسب الطلاب وتناسبني، كما أن المتابعين لا يهمهم هل فهم الطلاب أم لا، كل ما يشغل بالهم هل كُتب الدرس في كراساتهم أم لا، هل كتب التاريخ العربي أم لا.. هذه هي المتابعة.
من يريد النهوض بالتعليم من أصحاب السمو والمقام الوزاري يلعن الدروس الخصوصية ومخترعها، ويتغافل عن المشاكل القائمة بالفعل، فلا يحل بل فقد يحمل مشكلات التعليم على عاتق الدروس الخصوصية.
الدروس الخصوصية لم تأتِ لتهوي بالتعليم بل أتت للعلاج والنهوض به للأعلى، رغم أن البعض اتخذها كوسائل للربح، فإنه يبقى مثل علاج لمنظومة فاشلة، مثله مثل المستشفيات الخاصة والعيادات الخاصة، كلها أتت لعلاج منظمات دولية فاشلة.
إذا أردتم أن تحلوا مشكلة التعليم فضعوا النقاط فوق الحروف، وأعطوا كل ذي مقام لصاحبه، الوزير يجب أن يكون خريج كلية تربية أو آداب فقط، كما يجب أن يكون قد زاول المهنة لفترة.
ما علاقة الهندسة أو الطب أو غيرهما بالتعليم؟!
نحن نحتاج لتغيير شامل، نريد هدم كل المبادئ القائمة وبناء جو جديد، وفكرة جديدة للتعليم، نحتاج لثورة شاملة للتعليم، لا نحتاج لمواساة، لا نحتاج للشفقة، نحتاج لحلول جذرية قاطعة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.