انفجارات التنافس على قامشلو؟

النظام السوري لن يعيد سيطرته العسكرية على قامشلو أو أي مدينة كوردية أخرى وبقائه هناك شكلي لن يتعدى اكثر من الحصول على حصته من موراد الاقليم الكردي من النفط والقمح وليحفظ ماء وجه تمثال الأسد المثار للسخرية وسط قامشلو.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/29 الساعة 07:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/29 الساعة 07:11 بتوقيت غرينتش

تعيش مدينة "قامشلو" على صفيح ساخن منذ أن وأدت الميليشيات البعثية انتفاضتها العفوية وقتلت نحو 39 من أبنائها عام 2004، ومع بدأ الثورة السورية عام 2011 زاد التنافس على المدينة من حرارة الصفيح.

في البداية قادت المدينة مع جارتها عمود الثورة السورية، فانكشفت أهميتها للأطراف المحلية في تغيير موازين الصراع، فكان لا بد من جهد حقيقي للسيطرة عليها، قتلوا قائد ثورتها مشعل تمو وقاموا بتصفية رموز آخرين قادوا النشاط السياسي والشبابي هناك إما قتلاً او تهجيراً.

في مرحلة "ما بعد تصفية كرد سوريا الوطنيين" برز فرقاء أقوياء، حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وأحزاب شكلت لاحقاً المجلس الوطني الكردي، الأول محسوب على قنديل (تركيا) والثاني محسوب على أربيل، وأطلقا معاً مرحلة "العمل القومي الكردي الشعاراتي" إضافة إلى منافسين غير كرديين، هما النظام السوري القوي حينها في كل المدن الكردية والمجلس الوطني السوري المعارض والضعيف هناك. بعض المنافسين قاموا بتصفية آخرين، قبل أن يدخل لاحقاً في حلبة الصراع أولى وثاني القوى العظمى في العالم. الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية للحفاظ على مواقع من تبقى من المنافسين.

تنافس كردي – كردي

نهاية عام 2011 عقد النظام السوري وحزب PYD اتفاقاً غير معلن لتقاسم السلطة والثروة في المنطقة الكردية لم يطلع على باطنه أحد، لكن ظاهره أن يتقهقر النظام إلى مربع أمني وسط القامشلي ومطاره فقط وتحل قوات الحزب الكردي "وحدات حماية الشعب" مكانه ويحفظ أمن وثروات الاقليم الكردي.. هذه الصفقة التي يقال إن أربيل لم ترض أن توقعها مع نظام قتل شعبه دفعتها للدخول في التنافس عبر المجلس الوطني الكردي وبالاعتماد على القاعدة الجماهيرية الهائلة للرئيس مسعود برزاني، في البداية كان pyd يعمل بامكانات محدودة فشعر بحاجة تقاسم السلطة مع المجلس الكردي فعملا معاً تحت هيئة واحدة "الهيئة الكردية العليا" التي كافأها البارزاني بفتح معبر فيشخابور بين مناطق الكورد في العراق وسوريا وطالب بتشكيل قوة عسكرية موحدة ووعد بالدعم الدبلوماسي والدولي لكن سرعان ما تلاشى شهر العسل الكردي واتخذ PYD إجراءات الطلاق من المجلس الوطني الكردي.

ردت أربيل بإغلاق معبر فيشخابور ومنعت مسؤولي PYD من دخولها ودعمت قوة عسكرية من كرد سوريا قوامها 5 آلاف مقاتل شكلوا بيشمركة روج أفا وشن قيادات المجلس الكردي حملة إعلامية شعواء للنيل من هيبة ومكاسب PYD

رد PYD بفرض التجنيد الاجباري على كرد سوريا ولاحق الناشطين المحسوبين على أربيل وفرض مايشبه الأحكام العرفية واحتكر الإدارة لنفسه ووضع تحت ذراعه العرب والمسيحيين في المنطقة واغلق بعضا من مكاتب الأحزاب المنافسة ورمى بقيادات ومسؤولين في تلك الأحزاب "بملابس النوم" على الجانب العراقي من كردستان كما استمال أخرى لها عبر السليمانية وشكلت "الإدارة الذاتية الديمقراطية" وساءت الأوضاع الاقتصادية، ما أدى إلى نزوح ضخم لأنصار المجلس الكردي إلى مخيمات الإقليم والمخيمات الأوروبية لتنتهي قدرات أربيل البشرية والسياسية في "روج آفا" أي غرب كردستان السورية.

عندما انتهت PYD من منافسيه الكرد بدأ بداعش فحاربه على عدة جبهات وانتصر عليه محرراً عدة بلدات ومدن استراتيجية واستمال عشائر عربية وقلص دور النظام أكثر كما طمانه على بقائه المحدود واستفاد من ذلك البقاء بان تدفع دمشق رواتب موظفي الاقليم الكردي وان يتم تسيير كافة معاملات مواطنيه في دمشق وحلب وان تستمر جميع الدوائر الخدمية بالعمل.

في حين كان PYD ينجح على الارض حرم من المشاركة في مؤتمرات مصير سوريا ومستقبلها لكنه فرضه لسيطرته على الارض جلب له إلى إقليمه القوة الدولية للتعامل معه كرقم صعب فدخل منافسون جدد حلبة الصراع على المنطقة.

مدينة المنافسة الدولية

يمتلك الاقليم الكردي " قامشلو ،كوباني، عفرين" عدة مقومات اقتصادية وسياسية وعسكرية تجعله اقليم المنافسة الدولية فموارده قامشلو تشكل أكثر من نصف موارد سوريا الزراعية والنفطية والكهربائية اضافة الى موقعه للتجارة مع تركيا والعراق.

كان يمكن للاقليم الكردي ان يحقق ايرادات بنحو 11 مليار دولار سنويا قبل الثورة من النفط والزراعة والتجارة وبقي ذلك الرقم غامضا على سكانه دون ان يغيب عن اجندات القوى المحلية والاقليمية واليوم بدأ التنافس عليه بشكل جلي.
منذ عام ..المنافسون الجدد، الروس والامريكان دخلوا اللعبة التي أصبحت اكبر، الامريكان يريدون بديلا عن قاعدة "انجرليك" التركية في حربها ضد "داعش" ومواقع تكرس وجودها في الشرق ، يشاطرهم الروس نفس الهدف قاعدة عسكرية لمحاربة داعش ودعم النظام السوري .

حاليا للروس قاعدة عسكرية هي مطار قامشلو، وللأمريكان 3 قواعد عسكرية ومطاران قيد الانجاز، ويخفي كل طرف مطامعه الاقتصادية للمستقبل.

بعد 5 سنوات فاز النظام، الروس، الإدارة الذاتية PYD، الأمريكان وخسر المجلس الكردي، الإئتلاف السوري، تركيا والسكان المحسوبون على الأطراف الخاسرة ، ونجحت قامشلو في جمع كومة انظمة وكيانات ودول متناقضة على قاعدة المصالح المشتركة.

كيف تتحرك الأمور مستقبلا؟

بغياب تركيا واربيل عن مشهد التنافس على قامشلو وحضور الروس عبر النظام، والأمريكان عبر قوات سوريا الديمقراطية سيتكرس الواقع الحالي ، كانتونات كوردية محلية تحت سيطرة PYD تتوسع صلاحياتها لتصبح سلطة امر واقع ، سيتعزز دور المؤسسات في تنظيم حياة الناس وخدمتهم ويتعامل الجميع معها ، قد تتدفق استثمارات على المدى المتوسط وتنفتح معابر جديدة لانعاش الوضع الاقتصادي المتردي.

عسكريا ستهدف قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل قوات PYD وحدات حماية السعب غالبيتها الوصول إلى بحر اللاذقية والابقاء على منفذ مطار "قامشلو- دمشق" وتسعى لفتح منافذ مع بغداد قد توصلها الى ميناء البصرة وهذا الوصول سيبقى التواجد الشكلي للنظام السوري في قامشلو وربما يتلاشى عبر اتفاقية جديدة وهذا مرتبط بشكل عضوي مع الاتفاق الروسي السوري الوشيك بشان سوريا.

عندما تصل PYD الى شط العرب، البحر المتوسط، لن تحتاج إلى معابر مع اربيل وتركيا.

النظام السوري لن يعيد سيطرته العسكرية على قامشلو أو أي مدينة كوردية أخرى وبقائه هناك شكلي لن يتعدى اكثر من الحصول على حصته من موراد الاقليم الكردي من النفط والقمح وليحفظ ماء وجه تمثال الأسد المثار للسخرية وسط قامشلو.

توازن هذه المصالح وبدء ظهور ملامح كيان كردي حقيقي ونجاحات قوات سوريا الديمقراطية دفعت بداعش الى الجنون والانتقام فالتنظيم لن يتفرج والكرد يبنون عاصمتهم قامشلو ويهددون عاصمتهم الرقة لذلك اصابوهم في عين عاصمتهم وسيكون في صميم استراتيجيتهم استهداف اي جزء من الجسد الكردي الناشى.

تفجيرات داعش وغيرها كانفجار التوازنات او انفجار البركان الشعبي الناجم عن ممارسات PYD الفردية أو القمعية كلها انفجارات محتملة وبعضها قد يكون اخطر من انفجار شاحنة مفخخة لان تاثيرها قد يشل اقليما كاملا لا حارة واحدة.

في المستقبل لن تسمح PYD بان تعود عقارب الساعة إلى الوراء لذا ستحافظ على تكريس المصالح الإقليمية والدولية في مناطق سيطرتها وستستمر في الاستراتيجية التي بداتها منذ بدء الثورة السورة التي قطعت شوطا طويلا على طريق النجاح، النجاح الذي تهدف اليه كحركة سياسية وعسكرية وليس بالضرورة النجاح الذي انتظره سكان كردستان سوريا.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد