انتشرت صور بالغة الدلال والخيال لزوجة تركية، يبدو أنها أحد الذين تزوجوا بقرة أعينهم، وقد زيَّنت بيتها بالبينك والروز في كل مكان، ولم يَسلم شيء من لمساتها الأنثوية حتى المصحف ذاته!
وبقراءة التعليقات الممتلئة باللعاب الديني السائل، خاصةً تحت صورتها التي تقبِّل فيها يد السلطان زوجها، جالت في خاطري عدة أفكار جامحة، مصدرها هو مقارنتي بين الوهم المريض في التعليقات، وواقع الحياة المركب الذي أعرفه جيداً.
في الحقيقة، تستفزني قدرة الإنسان على التضحية بالمدلول لصالح الدالّ، يعني إهمال المعنى لصالح الاسم، ويبدو أن دا جليتش دائم في التجربة الإنسانية لا يمكن تجاوزه، لأن الأسماء عادة ما يصيغها الأجداد، ثم يأتي الأحفاد مقدسِين لها دون وعي كامل بدلالاتها، ويصيغون أسماء جديدة بدورهم يتم تقديسها فيما بعد، وهكذا.
لشرح ذلك، ينبغي أن نتفق على أن اللغة أداة تجريد واختزال، بمعنى أنني عندما أقول لك "كومودينو" فإنني قد أعني شكلاً يختلف عما دار بمخيلتك، ولكننا نتفق أن هذه اللفظة يمكنها اختزال كل معاني "الكومودينو" التي نعرفها عنه، دون أن نضطر إلى شرح شكله ووظيفته في كل مرة نحتاج فيها أن نذكره.
الزواج في الأساس معنى إنساني، يمكنك أن تشرحه في مجلدات ضخمة، لكننا نتسامح حين نختزله بهذا الاسم فنقول "زواج"، ونتوقع أن يفهم الناس ما يعنيه، ولكن يبدو أن هذا لا يحدث كل مرة، أو يختفي مع الوقت، يبدو أن اسم الزواج نفسه صار أكثر شعبية من معناه رغم أن الاسم اختُرع في الأساس ليدل على المعنى لا ليصير معنى في حد ذاته!
الزواج علاقة إنسانية فريدة، ولكنه يتحول لصورة محددة في خيال المشتاقين، صورة اسمها الزواج ومعناها الزواج وكأنه هدف في حد ذاته، الرسائل التي يكتبها البعض لزوج/ة المستقبل، والأسماء التي من قبيل "زوجي قرة عيني" و"زوجتي جنتي" وغيرها، كلها توحي باسم الزواج لا معناه، فهناك كائن يريد أن يتزوج وينتظر كائناً آخر ليملأ هذه الوظيفة، لا توجد علاقة إنسانية هنا، ولكن توجد رغبة أنانية بحتة من طرف واحد، بالتأكيد لن يتزوج هذا الشخص أي عابر سبيل فهو لديه مواصفات، وهذه المواصفات هي عين ما يجعل قضيتنا بائسة ومزيفة، فهذه المواصفات إنما وُضعت لتخدم اسم الزواج لا معناه، فمثلاً يحتاج المشتاق كي تكتمل الصورة إلى زوجة جميلة، بيضاء، كالتركية التي في الصور، تحب بيتها وتزينه، وتقبّل يد زوجها حباً واحتراماً، تحب الأطفال وتحنو عليهم، وتريد المزيد منهم كما هو واضح، وهكذا، كلها خيالات شكلية بحتة تخدم الصورة الثابتة والاسم المجرد لكلمة "زواج" وليس بها من معاني الزواج شيئاً!
ليس معنى كلامي أن هذه المرأة مزيَّفة أو حياتها الزوجية غير سعيدة، لكنها حقاً ليست الصورة المثالية ولا الصورة المطلوبة ولا يوجد شيء كهذا أصلاً، ولو افترضنا صدق الصور، وأنها ليست من أجل حفنة إعجابات، فما رأيناه هو مجرد ما اتزنت عليه حياتها هي وزوجها ليس أكثر، ما رأيناه ليس الصواب أو المثال أو الحق المطلق!
نزع الإنسانية عن علاقة الزواج وقصرها على شكل مثالي للاستهلاك الإعلامي، صناعة قديمة لأنها مربحة، مؤخراً ازدهرت في عصر السوشيال ميديا، بينما في الواقع يتزن الأزواج السعداء على أشكال وأنماط مختلفة، بعض الأزواج يعومون في بحار اللبن والعسل، البعض يعيش في أمواج متلاطمة لكنها لا تجعلهم أقل سعادة، بعض الزوجات يكرهن الأنوثة ويرونها اصطناعاً ولا يقلل هذا من رضاء الطرف الآخر مطلقاً، البعض رقيق والبعض حازم، البعض نفعي والبعض معطاء، البعض ذكوري والبعض نسوي، هذا عن الزيجات السعيدة!
أما الزيجات التعيسة، فالعامل المشترك فيها دوماً هو الكذب، وبالتحديد الكذب على الذات أو خداع النفس، كالزوج الذي يتمناها مثقفة ويتزوجها مثقفة ثم يمارس ذكوريته عليها وينام يحلم بالزوجة الجاهلة التي تقبِّل يده وتغسل قدميه الشريفتين، والزوجة التي يتمناها بيضاء بطة منزلية مغمضة ثم يسيل لعابه على كل امرأة متحررة قوية بالخارج، والزوجة التي تقرر أنها ستعيش قصة كفاح مع حب عمرها ثم تجزع مع أول ضائقة مالية يتعرض لها وتحنّ إلى عز السيد الوالد.
العامل المشترك هنا، هو غياب الصدق، عدم الاتساق مع النفس ومع ما تريده حقاً، والوقوع في أَسر الصورة وجمالها، كصورة تلك الزوجة التركية، دون أدنى وعي بالرغبات الحقيقية الداخلية، والتي ستظهر مع الأيام وإن تغلفت بكل الكليشيهات والستيريوتايبس المجتمعية الخرقاء!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.