من بديهيات المشهد الوطني ومن ثوابته الراسخة عدم جواز تناول الحالة الكردية الخاصة بمعزل عن الوضع السوري العام، ومن ثقب هذه المسلّمة نسترق النظر إلى التطورات الراهنة المتسارعة التي تقودها وتفعلها القوى والأطراف الدولية – الإقليمية المنتدبة قسراً على بلادنا والمحتلة أراضينا بغلبة روسية سائدة إلى جانب المشاركات الجزئية الهامشية وغير الثابتة من إيران وميليشياتها المذهبية وتركيا وحليفاتها من الفصائل المسلحة المحسوبة على (الجيش الحر) والولايات المتحدة الأميركية عبر (قوات سوريا الديموقراطية)، وأمام ادعاء الجميع بصوت واحد محاربة الإرهاب وتحقيق السلام من خلال تنفيذ خطط (خفض التصعيد) في معظم المناطق وتحقيق المصالحة بين (المعارضة) والنظام عبر أستانا وجنيف وحميميم، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة الإعمار.
لا شك أن كل الدلائل تشير إلى خضوع الجميع من أطراف دولية وإقليمية وعربية رسمية وامتداداتها من الفصائل المسلحة والكيانات السياسية المعارضة للمشروع الروسي الذي يقضي بإعادة الحياة للنظام الحاكم وبسط نفوذه ولو شكلياً إلى كافة المناطق السورية لتوسيع نفوذها وترسيخه من خلال هذا النظام المتهالك الذي فقد الشرعية والسلطة الفعلية والسيادة والاستقلال، ومن خلال لعبة روسية مدروسة تقضي بإرضاء الأطراف بشكل متوازن (أميركا وتركيا وإيران وإسرائيل) والاستجابة لبعض مطالبها الجانبية التي لا تشكل خطراً على مشروعها الأساسي، وكما يظهر فإن الخاسر الوحيد من العملية الجارية هو الشعب السوري، وثورته المغدورة، وقضيته الوطنية المنسية.
ازدواجية المحتل الروسي في تمظهره بدور الحكم والمصلح والوسيط في حين أنه يقف عائقاً الآن أمام طموحات السوريين في التوافق على عقد المؤتمر الوطني السوري المنشود من خلال لجنة تحضيرية مستقلة نزيهة تمثل جميع المكونات والتيارات السياسية الوطنية والديمقراطية للخروج بحل للأزمة المستعصية الراهنة عبر برنامج سياسي توافقي سليم ومجلس سياسي – عسكري لمواجهة تحديات السلم والمقاومة، وذلك بالسعي الروسي لعقد لقاءات في – حميميم – المحتلة باسم المؤتمر السوري وقطع الطريق على إرادة السوريين في استجماع القوى الحية الصادقة وإعادة بناء حركتهم المعارضة.
موقع الكرد في المشهد الراهن
الدور الكردي السوري في الحياة السياسية الوطنية العامة شبه معطل، وأستند هنا (إضافة لما نعلمه) على المقولة المأثورة للرئيس مسعود بارزاني "تسببت الأحزاب الكردية في ضياع الكرد السوريين الذين لا يعلمون أين هم الآن مع الثورة أم مع النظام" وقد لخص بهذه الكلمات القليلة حقائق وأحداث ونتائج خلال أعوام ستة، أي منذ اندلاع الانتفاضة السورية وحتى الآن عندما وقف الوافدون الجدد من أتباع "ب ك ك" بمختلف مسمياتهم وأحزابهم وتنظيماتهم مع نظام الأسد عبر عملية التسليم والاستلام المعروفة بعد اتفاق (آصف شوكت – مراد قرة يلان) بالسليمانية، وكذلك تبني (المجلس الوطني الكردي) وبناء على توصية المشرف عليه (الراحل رئيس العراق السابق)، بالتنسيق مع السلطات السورية شعار أو قرار الحياد بين الثورة والنظام، والعمل مع من يؤيد الحقوق الكردية أكثر، وهذا الموقف كثيراً ما سمعناه من النخب السياسية لدى الأشقاء بإقليم كردستان العراق، وهو نابع من دون شك من تجاربهم المريرة في التحالفات مع القوى العراقية.
في الستة أعوام الأخيرة لم تعِش الحالة الكردية في سكون وجمود فإلى جانب أحزاب ومنظمات وفصائل وسلطات (المجلسين – غرب كردستان والوطني الكردي)، خاصة بعد ممارساتها اللاديمقراطية ومسؤولياتها في إفراغ المناطق من سكانها الأصليين، ومن عنصر الشباب والمنتجين والفشل في تنفيذ اتفاقيات (أربيل ودهوك)، رغم ملاحظاتنا عليها، والإخفاق في الحفاظ على الحد الأدنى من الأمن والأمان في المجتمع الكردي، والتعاون الصادق مع المكونات الأخرى من عرب وتركمان ومسيحيين، خاصة في المناطق المختلطة، وبعد فشل كل علاقاتها في الساحة السورية مع المعارضة والموالاة، نقول إن الساحة الكردية السورية أنجبت قوى جديدة واعدة سيكون لها الدور البارز المؤثر في قادم الأيام والأعوام.
إذا كان (المجلس الوطني الكردي) قد تعرض إلى الانقسام والتفكك وأخفق في طرح المشروع القومي البديل، ولم يجد له مكانة تحظى بالاحترام في صفوف كيانات المعارضة، بل لم يكن له أي تأثير لا في العملية التفاوضية ولا في وضع خطط وبرامج تلك الكيانات رغم عضويته الشكلية فيها، وخسر الزخم الجماهيري، وابتعد عنه المستقلون وبعض بقايا الحراك الشبابي والنخب الوطنية المثقفة، وبات اسماً بلا روح افتقد حتى إلى طرح أية مبادرة تتعلق بتعزيز الاتفاق والمصالحة، فإن "ب ي د" ورغم سلطته القائمة بقوة السلاح وإغراءاتها المادية والأمنية، إلا أنه لا يحظى بقبول الغالبية الساحقة من بنات وأبناء الشعب الكردي السوري وينظر إليه كجسم غريب وكحركة همها الأساسي خدمة أجندة "ب ك ك" وقيادة قنديل العسكرية وتنفيذ أوامرها وتوجهاتها حتى لو كانت ضد مصالح شعبنا الكردي السوري وهناك ريبة وشكوك في مواقفه وسياساته التي لا تخضع إلى المناقشة، بل تنفذ بأوامر عسكرية من قبل أشخاص معدودين جداً.
حزب "ب ي د" في تحالفاته الإقليمية والدولية غير مستقل، بل ينفذ أجندات، ولذلك نراها متقلبة وقتية قد تنتفي في أية لحظة بدون ضمانات حول حقوق الكرد ومستقبلهم فقد انتقل من حضن إلى آخر لمرات عديدة خلال السنوات الأخيرة، وآخره الحضن الأميركي في قتال داعش كمقاتلين مشاة، ومن دون أية اتفاقيات سياسية موثقة، ومهما تمت المحاولات في تأخير معركة الرقة أو اختراع معركة دير الزور، فبالأخير هناك نهاية للحالتين وحينها يظهر الاستحقاق وقد يخرج خالي الوفاض في وقت تشتد فيه الضغوط التركية باتجاه تغيير السياسة الأميركية لصالحها، ودخول الروس على الخط لاستمالة "ب ي د" ودفعه نحو المشاركة في اجتماع "حميميم"، وكذلك في مؤتمر الرياض 2 بالتنسيق مع نظام الأسد، وقد يكون تصريح وليد المعلم جزءاً من التحرك الروسي بذلك الاتجاه.
ما العمل؟
إزاء هذا المشهد الحزين وفي مثل هذه الظروف الخطيرة وعلى ضوء التطورات في كردستان العراق وفي سبيل دعم إرادة شعبه بقوة تقضي مصلحة الكرد السوريين كشعب وقضية وبأسرع وقت إلى وقفة تاريخية استثنائية إلى تحلّي قواه الوطنية وتياراته السياسية بالشجاعة والإقدام ونكران الذات والمصالح الضيقة، وذلك بالشروع في الحوار بين كل مكوناته، وليس هناك بهذا المجال كبير وصغير، فالكل ضعفاء، والجميع بحاجة إلى بعضهم البعض، ونقترح هنا الاتفاق على تشكيل لجنة تحضيرية تمثل كافة الفعاليات للإعداد لمؤتمر قومي – وطني تصالحي إنقاذي داخل الوطن والخروج بميثاق موحد وبرنامج مرحلي وقيادة مشتركة لمواجهة تحديات واستحقاقات الحاضر والمستقبل، وليعتبر الجميع أن هذا المقترح بمثابة رسالة موجهة من "بزاف" إلى كل طرف على حدة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.