الفن على نحو غريب

بلهجة سورية استفقت على وقع أشباح صور المتحف اللعين، لا أريد أن أتذكر تفاصيل اللوحات الواهنة اللعينة وتلك الأشكال التي لا تليق بمفهوم الشكل ولا بمفهوم الفن، الضوء الخافت وصوت يقزز الذات منبعث من مصابيح مصلوبة على الأرض.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/07 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/07 الساعة 04:12 بتوقيت غرينتش

أهلاً هجر وشو أحوال الغصة؟
بلهجة سورية استفقت على وقع أشباح صور المتحف اللعين، لا أريد أن أتذكر تفاصيل اللوحات الواهنة اللعينة وتلك الأشكال التي لا تليق بمفهوم الشكل ولا بمفهوم الفن، الضوء الخافت وصوت يقزز الذات منبعث من مصابيح مصلوبة على الأرض.

استقبلتني أولى اللوحات عابسةً، وقفت إزاءها، حاولت استساغة مفهومي الجمال والفن مقارنة بين دافينشي ومايكل أنجلو، وراسم اللوحة الواقفة قُدامها.

على الفنان أن يصير حديثاً مطلقاً أو ما فوق حداثي؛ لأن معاصرينا من بعض الفنانين قد راودهم مزاج الفن العابر، تجريد لا بل فن مهلوس يزيد من حدة الجنون لا يشفي بل يفاقم المرض، لوحات طاعونية صاخبة منتشية على إيقاعات نيو ميطال.

ليس بتعلق ساخر بالفن الحديث بقدر ما هو خوف من التنكر لما رأيته من إدجار ديجاز وبيكاسو.

لم ينتابني أي إحساس بالغصة وأنا إزاء اللوحة الأولى، انسبت حتى وقفتُ قدام ذلك الشيء المسخ، لم أحاول أن أطيل النظر أو التأمل، أسرعت الخطوات ولكنني زدت في التغلغل وسط الـ.. زاد إدراكي أنني في متاهةٍ لن أسلم من شرها، متاهة يسمونها بمتحف الفن المعاصر!

حاولت أن أقنعني بمنطقية اللوحات وبعدم كفاءتي ومعرفتي بتاريخ الفن، ولا بمقدرتي على النقد، لكن فطرية التأويل أقوى، وصداع شحوبي لافت، وشعور بالضيق زاد من حدة الغصة.

على الفنان اليوم أن يلبس بعض أوراق الغار فوق رأسه، ويجلس مقرفصاً، ويفكر قليلاً بفن مصر واليونان وروما والنهضة، وأن يشعر وأصابعه بنفس الغصة التي عايشها الجيل الذهبي من الفنانين، وعليهم أيضاً أن يكفوا عن ملء الدنيا بالرعب.

أن يشرب الإنسان الفنان من راحتي دنيزوس، ويستلذ إلى الجنون بفورة أفكار زرادشت، وأن يفسر بشغفٍ لوحة العشاء الأخير ثم يموت آلاف المرات أمام عظمة المحاولات الفاشلة.

لا تنوي الخلود من خلال أساك ودفقة شعورك القصيرة، إن الفن سحر ضحكة عميقة عصبية ومغتبطة، هو أن تكون وألا تكون في أعمالك.

ربما لم أعِ مضمون اللوحات؛ لأن لغتها مغرفة في التفلسف، لكنني خرجت كطفل شريد لا مأوى له ولا مسكن، زممت شفتيَّ وتأبطت حقيبتي الجلدية الكاميل البالية، ونظرت لآخر مرة إلى اللوحات القريبة من باحة الخروج.. بها أربعة وجوه سريالية تحملق بي، فخشيت أن تهاجمني فخرجت إلى الشارع.

اتجهت إلى متجر طوب فلاور، اقتنيت لغصتي بعض الليلك والأوكاديا لأريها أن الواقعية جميلة.
إلا أن الغصة كبيرة، واللوحات سرمدية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد