القلق فنّ نجيده جميعاً، بل وأرى أننا كشعوب عربية مبدعون فيه، فيما عدا القلة القليلة التي لا تهتم ولا تبالي.
في رأيي أنه إلى حد كبير يتحدد مقياس سلام العقل بمدى قدرة الشخص على العيش في الحاضر، بغضّ النظر عما حدث أمس وما قد يحدث أو لا يحدث غداً، فإن اللحظة الحاضرة هي حيث تكون أنت الآن.
ويعتبر بعض الباحثين أن القلق عنصر إيجابي كحافز وباعث للنجاح والتقدم، فطبيعي أن تشعر بالقلق عندما تنتقل إلى مدرسة جديدة أو عمل جديد أو علاقة جديدة، ولكنه يصبح سلبياً عندما يتحول إلى هلع أو فزع من أشياء طبيعية تحدث لك ولغيرك، بينما تعتبرها أنت نهاية العالم.
من الصعب أن نعيش دون قلق وسط كل المتغيرات والمستجدات الكثيرة والسريعة التي تحدث حولنا، ولكن كلمة السر هي "عِش حاضرك"، نعم دع ماضيك خلفك، واجعل مستقبلك أمامك، واعمل لحاضرك.
بعض الأشخاص يبقون أسرى للماضي فلا يعيشون حاضرهم الذي من الجائز أن يكون أفضل من ماضيهم، إلا أنهم يحنون للماضي ويترحمون على أيامه على قناعة بأنه كان دائماً الأفضل والأجمل والأحسن والأرخص، وكل أفعال التفضيل التي نعرفها أو لا نعرفها.
مَن منا لا يحنّ للماضي فنحن جميعاً نحب أن نعيش حالة النوستالجيا Nostalgia وهي حالة جميلة أن تترك حاضرك بكل مشاكله وهمومه وتحلق كالفراشة في الماضي الجميل بتفاصيله التي تريد فقط أن تتذكرها، فتبدأ في استدعائها… الطفولة البريئة بين تدليل والدَيك، شبابك وما صاحبه من مغامرات مضحكة أحياناً ومتهورة في أحيان كثيرة، أبناؤك، نجاحاتك التي حققتها في حياتك العلمية والعملية والاجتماعية، رحلاتك، عملك، عائلتك…
أنت تخدع نفسك… ماضيك ليس كله جميلاً فأنت لا تستدعي الإخفاقات والانكسارات والطموحات التي لم تحققها، لا تستدعي ذكريات المرض والخوف والحزن وأشياء كثيرة أخرى.
فالماضي ليس كله جميلاً، فلماذا تعيش فيه وتصر على استدعائه في حاضرك؟!
أرجوك ابقَ في حاضرك، اعمل من أجله، لا تدع مشاكل الماضي وهموم المستقبل تسيطر على حاضرك إلى الحد الذي يجعل الأمر ينتهي بك وأنت قلق ومحبط ومكتئب وبلا أمل.
لماذا نؤجل رضانا وسعادتنا بما لدينا من نعم يمنّ الله بها علينا كالصحة والستر والمال والأبناء وغيرها لا تعد ولا تحصى؟ ونقنع أنفسنا دائماً أن يوماً ما سيكون أفضل من اليوم، لدرجة أن يوماً ما هذا يمكن أن ننتظره إلى أن ينتهي العمر ولا يجيء.
فبينما ننشغل بالتخطيط لأشياء أخرى نعتقد أنها مهمة يكبر أطفالنا ويتركوننا، ويبتعد عنا مَن نحبهم وكنا نؤجل وجودنا بجانبهم بحجة انشغالنا فيخطفهم الموت.
تتحول أجسادنا دون أن نشعر إلى الشيخوخة، وتذهب الصحة، باختصار إننا نفقد الحياة التي من المفروض أن نحياها من أجل مستقبل في علم الغيب.
في الحقيقة لا أحد يضمن أنه سيكون هنا غداً، فاللحظة الحاضرة هي فقط الوقت الذي نملكه ولدينا القدرة على التحكم فيه.
لا تقلق وركز في الحاضر فقط، لا تقلق واترك مستقبلك بيد الله وارضَ بما قسمه الله لك في حاضرك، فالرضا هو سر الحياة وسر السعادة التي نبحث عنها جميعاً.
وتحضرني العبارة الرائعة للإمام ابن القيّم رحمه الله: "الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين، وقرة عيون المشتاقين، ومَن ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ الله صدره غنى وأمناً، وفرَّغ قلبه لمحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، ومَن فاته حظُّه من الرضا امتلأ قلبه بضدّ ذلك، واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه".
اللهم أرضِنا وارضَ عنا يا رب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.