"القيادة".. الكلمة التي بتُّ أكره سماعها، بل أُصاب بالصداع من مجرد ذكرها، بعد أن كنت أطرب لذكرها أمامي، كل شخص يقرأ كتاباً عن القائد يصبح قائداً بالفطرة، ببركة هذا الكتاب، أو تلك المحاضرة، يا سبحان الله!
"لماذا لم تصبح قائداً؟!"، كان هذا السؤال يراودني دائماً عندما يتكلم أحد المحاضرين عن القيادة، فلذلك -لطفاً يا سيدي- لا تتحدث عن شيء أنت لا تملكه؛ ففاقد الشيء لا يعطيه.
"أنا أتحدث بما أُحسن، ابحث عن شخص غيري"، كان هذا ما أخبرني به أنس فؤاد، عندما أخبرته عن إدارة المؤسسات الإعلامية، وهو عمِل على رأس أكثر من مؤسسة إعلامية، فبدأت أفكر في هذا المحاضِر الذي صدَّع رؤوسنا بالقيادة في كل الجوانب، من أين أتى بهذه الخبرة، وهو لا يقود حتى سيارته؟!
"الذات المتضخمة"، إحدى النتائج الكارثية عن هذه الدورات، فالكل أصبح قائداً، ولكن إذا جئت على الحقيقة فهو مثل الكيس المثقوب الذي تريد أن تملأه بالماء، سينتفخ ولكن سرعان ما سيفقد محتواه، فيكون كقول الشاعر:
ألقاب مملكة في غير موضعها ** كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد
كان يحدثني أحد الأشخاص الذين كنت أعمل معهم، أني لا أستطيع أن أكون إلا قائداً للفريق، وهو في الحقيقة كان ينسحب من كل المواقع التي كلفناه إياها، لم أعد أستغرب من هؤلاء الناس؛ لأنهم كانوا نتيجة تلك الدورات.
يحدثوننا عن الطاعة وهم يضخون في أفكار الشباب لساعات "أنت قائد"، فكيف تريد من هذا الذي لا يصلح لقيادة دراجة هوائية وأنت نفخته حتى وصل إلى أن يقود العالم بأسره؟!
كان صديقي عبد الرحمن يحدثني كيف أن أحد الأشخاص بدأ يرتجف بمجرد أنه لم يكن الشخص المختار للتحدث باسم الفريق الذي يرأسه، وعلل قائلاً: "نوفل، كيف تريده بعد أن سمع كل هذا الكلام ويقتنع بأن يكون شخص آخر فوقه؟!".
تعاملت مع كثيرين من خريجي دورات الأكلات السريعة -عفواً "القيادة السريعة"- أغلبهم يفتقدون أبسط المؤهلات، فهم لم يمارسوا الإدارة بحياتهم. باختصار، هم فهموا الموضوع خطأ؛ لأنهم باختصار عاشوا في بيئة مختبرية تحت ظروف موجودة فقط في مراكزهم وليست على أرض الواقع؛ لذلك عندما تخرجهم إلى البيئة الحقيقية سوف يصطدمون بالواقع الذي يعيشون به.
فإذا أردنا أن نتحدث عن القائد، فماذا تريد أن تخبرني؟ عن القائد التخصصي؟! أو القائد الميداني؟! أو القائد السياسي؟! فكل واحد هو قائد في مجاله، فالمتخصص بالأعلام مثلاً، وليس لديه الخبرة النظرية، وإنما العملية التي كان بها رأساً لإحدى المؤسسات الإعلامية، فهذا نسمع له في مجال إدارة المؤسسات الإعلامية، بناء على الخبرة العملية والنظرية التي اكتسبها.
أما إذا بدأ يحدثني في غير تخصصه، فنسمعه احتراماً له ولكن لا نأخذ برأيه. أنا هنا لست ضد المفهوم بعمومه، ولكن نحتاج أن نتعامل مع هذا الأمر باحترافية أكثر، ولا تصبح دورات القيادة مهنة من لا مهنة له!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.