محور المستبدين العرب يقف خلف دونالد ترامب

ويُعَد دعم حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، والقوميين المتدينين من حزب إسرائيل بيتنا أمراً مفروغاً منه، لكنَّ هؤلاء مللنا من معرفة موقفهم. أمَّا الدعم الغريب الشاذ واللافت، فيأتي من جيلٍ جديد من الأشقياء الخليجيين من الشباب، الذين لا يُظهِرون التوقير والاحترام، ويمارسون التفحيط، ويلتقطون صور السيلفي أمامك، ثُمَّ تجدهم يظهرون في انقلابٍ ما قريباً منك.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/07 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/07 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش

إذن، كشف دونالد ترامب عن خططه للقدس. وفي أثناء ذلك، ألقى جانباً أي ادعاءٍ متبقٍّ بقدرة الولايات المتحدة على التوسُّط في اتفاقٍ بين إسرائيل وفلسطين؛ إذ لا يمكن أن يكون هناك أي "حيادٍ" الآن. فمن دون القدس عاصمةً لها، لا يمكن أن توجد أي دولة فلسطينية. ومن دون ذلك، سيكون الأمر مسألة وقتٍ فقط قبل أن تبدأ انتفاضةٌ جديدة.

ويمكن لرمزٍ بقوة القدس فقط أن يُوحِّد فلسطينيين يعار بعضهم بعضاً بعمقٍ كما هو الحال مع زعيم حركة "فتح" محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. والقدس فقط لديها القدرة على توحيد السجناء داخل السجون كافة والمنافي التي يجد الفلسطينيون أنفسهم فيها؛ سجون إسرائيل المادية والمجازية، كفلسطيني 1948، وفي غزة، والضفة الغربية، ومخيمات اللاجئين والشتات. والقدس وحدها تحمل أهمية كبرى لدى مليارات المسلمين حول العالم.

وكما سيتعلَّم ترامب، فإنَّ الرموز قوية. ولديها تلك العادة المتمثلة في خلق واقعٍ من تلقاء نفسها.

ومع ذلك، لا يتحرَّك ترامب وحده. فأياً ما كان جمهور الناخبين المحلي الذي يعتقد أنَّه يستميله بتلك الخطوة، ويبدو أنَّ المسيحيين الإنجيليين في مقدمة ذلك الجمهور، ما كان ترامب ليتمكن من -ولا ليُقدِم على- إصدار هذا الإعلان لو لم يكن لديه داعمون إقليميون.

ويُعَد دعم حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، والقوميين المتدينين من حزب إسرائيل بيتنا أمراً مفروغاً منه، لكنَّ هؤلاء مللنا من معرفة موقفهم. أمَّا الدعم الغريب الشاذ واللافت، فيأتي من جيلٍ جديد من الأشقياء الخليجيين من الشباب، الذين لا يُظهِرون التوقير والاحترام، ويمارسون التفحيط، ويلتقطون صور السيلفي أمامك، ثُمَّ تجدهم يظهرون في انقلابٍ ما قريباً منك.

وفي ظل إدارة ترامب، كوَّن هؤلاء محوراً للعرب المستبدين، ممن يتجاوز طموحهم الجيوسياسي مقدراتهم. ويعتقدون حقاً أنَّ لديهم القدرة على فرض إرادتهم، ليس على شظايا الدولة الفلسطينية فقط؛ بل وعلى المنطقة ككل.

وهناك دولٌ بوليسية حديثة قيد التأسيس، في أذهانهم على الأقل، يعلو كلاً منها مسحةٌ براقة من الليبرالية الغربية. وكلهم ينظرون إلى "الليكود" باعتباره شريكهم الطبيعي، وإلى غاريد كوشنر باعتباره محاوِرهم الحصيف.

ولا تحتوي قواميسهم على مفردات التفكير، أو التدبُّر، أو التعاون، أو الاستشارة، أو التوافق. وستؤجَّل الديمقراطية، وسيجري توجيه حرية التعبير. وبالنسبة للعرب؟ هم هناك ليتم شراؤهم.

كان ذلك هو السبب الذي دفع محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية وحاكم المملكة الفعلي، لاعتقاد أنَّ بإمكانه إرغام محمود عباس، الرئيس الفلسطيني المريض، على الرضوخ. فوفقاً لعدة مصادر نقلت عنها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أبلغ بن سلمان، عباس إمَّا أن يقبل الشروط -لا قدس، ولا حق عودة- وإما أن يُفسِح المجال أمام شخصٍ آخر يقبل ذلك.

وقال العديد من المسؤولين إنَّ بن سلمان قد عرض دفع أموالٍ مباشرة لعباس؛ حتى يجعل الاتفاق أكثر جاذبية له، وهو ما رفضه الأخير.

تطبيع العلاقات مع إسرائيل

جرى تنظيم تهديدات بن سلمان عبر جوقةٍ من الكُتَّاب والصحفيين السعوديين المرخصين، ممن يُبعِد جميعهم نفسه عن القضية الفلسطينية ويطالبون بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

أهم هؤلاء هو الكاتب والروائي السعودي تركي الحمد. فغرَّد الحمد قائلاً: "لماذا يجب أن يزعج نفسه بدعم الفلسطينيين إن كان الفلسطينيون أنفسهم قد باعوها؟ فلسطين لم تعد قضية العرب الأولى".

وكتب: "نُشِر عني في تويتر أنَّني قلتُ إنَّ القدس ليست القضية، وهذا غير صحيح. ما قلتُه هو أنَّ فلسطين لم تعد قضية العرب الأولى بعد أن باعها أصحابها. لدي قضية بلدي في التنمية والحرية الانعتاق من الماضي. أمَّا فلسطين، فللبيت ربٌ يحميه حين يتخلى عن ذلك أهل الدار".

وأضاف: "قد يظن البعض أنَّني ضد القضية الفلسطينية، وهذا غير صحيح. منذ عام 1948 ونحن نعاني باسم فلسطين. الانقلابات قامت باسم فلسطين، التنمية تعطلت باسم فلسطين، الحريات قُمِعت باسم فلسطين، وفي النهاية حتى لو عادت فلسطين فلن تكون أكثر من دولة عربية تقليدية. كفانا غشاً!".

وتابع: "في جنوب إفريقيا، ناضل الصغير قبل الكبير، فهل فعل الفلسطيني ذلك رغم كل الدعم؟ كلا. لن أدعم قضيةٍ، أهلها أول من تخلى عنها".

وهناك الكثير من الأصوات السعودية الأخرى التي تقول الشيء نفسه.

فغرَّد حمزة بن محمد السالم، الكاتب والمحلل الاقتصادي: "إذا عُقِد سلامٌ مع إسرائيل، وتسهَّلت الفيزا والدخول والخروج، فإنَّها ستصبح المحطة السياحية الأولى للسعوديين".

وكتب سعود الفوزان: "لستُ محامياً لليهود، ولكن الحق يُقال. أعطوني يهودياً واحداً قتل سعودياً وأعطيكم ألف سعودي قتل أبناء جلدته بالحزام الناسف من داعش والقاعدة".

وكتب المدير العام السابق لقناة العربية، عبد الرحمن الراشد: "حان الوقت لإعادة النظر في كل مفهوم المعاملات مع فلسطين وإسرائيل".

وقال محمد آل الشيخ: "قضية فلسطين ليست قضيتنا.. وإذا أتاكم متأسلم (متمكيج) ودعا إلى جهاد فابصقوا في وجهه".

وفي بلدٍ يمكن أن تزج بك تغريدةٌ خاطئة في السجن 3 سنوات، ليست تلك تعبيرات عفوية؛ بل إنَّها تُجهِّز الأجواء للإعلان الذي قام به ترامب.

تقسيم المنطقة

هذا إذن هو المحور الذي يقف خلف ترامب: وليا العهد والحاكمان الفعليان لكلٍ من السعودية والإمارات، ومصر، والبحرين. فمحمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، وعبد الفتاح السيسي كلهم يعتمدون شخصياً على ترامب.

فحصار قطر، أو محاولة إرغام الحريري على الاستقالة كرئيسٍ لوزراء لبنان، ولا انفراط عقد مجلس التعاون الخليجي وتكوين تحالف عسكري اقتصادي بين السعوديين والإماراتيين، ما كان لكل ذلك أن يحدث دون ضوءٍ أخضر من ترامب.

وقد مكَّن ترامب، بن سلمان من تحطيم ركائز الدولة السعودية، وسلب أبناء عمومته من ثرواتهم، وإلباس كل ذلك ثوب التحديث والإصلاح.

لكنَّهم، هم أيضاً، سمحوا لترامب بفرض قراره بحظر السفر، وإعادة تغريد سم الفاشيين البريطانيين حول المسلمين.

وأحدثت الفوضى التي خلقتها تلك المجموعة مسافةً واضحة مع مجموعةٍ أخرى من حلفاء الولايات المتحدة، والتي تشعر بتبعات تلك السياسات على أنفسهم. فحاول كلٌ من العاهل الأردني عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس تحذير واشنطن من أخطار ما كان ترامب مُقدِماً على إعلانه بشأن القدس. ويرون نفسيهما محاصرَين في زاويةٍ وقد خسرا المجال للمناورة.

وانضمت تركيا إلى الأردن، التي يحظى رئيسها، رجب طيب أردوغان، بدعمٍ عابر للأحزاب لتعليق العلاقات مع إسرائيل. وتتولى تركيا حالياً رئاسة منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 بلداً.

وينضم القوميون أيضاً إلى هذا الاحتجاج الصاخب. فحذَّر زعيم حزب الحركة القومية التركي المعارض، دولت بهجلي، من أنَّ الولايات المتحدة ترتكب "خطأً تاريخياً" بقرارها الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وقال بهجلي: "مؤامرة القدس خنجر رُفِع لطعن كل الأمور التي نعتبرها مُقدَّسة".

وتتمثَّل المجموعة الثالثة في إيران، والعراق، وحزب الله، الذين حصلوا من جديد على هدية فوق طبقٍ من فضة. فقد منح ترامب الآن إيران فرصة هائلة لإصلاح الضرر الذي تسبَّبت فيه الحرب الأهلية بسوريا مع المجموعات والبلدان السُنّيّة الأخرى، لتقول من جديد: "إنَّنا معكم فيما يتعلَّق بالقدس". وهي الدعوة التي ستقبلها طهران بشغف.

أمَّا المجموعة الرابعة، فهي مجموعة لن يتمكَّن ترامب، ونتنياهو، وبن سلمان، وبن زايد من الوصول إليها أبداً. إنَّهم الفلسطينيون أنفسهم. تاريخياً، يكونون في أقوى حالاتهم حين يكونون في أشد حالات عُزلتهم. وقد ظهرت تلك القوة في بداية الانتفاضتين الأولى والثانية. وهو ما ظهر حين أُرغِمت إسرائيل على رفع حواجزها الأمنية عند مدخل المدينة القديمة.

ولا يوجد أي فلسطيني، سواء كان قومياً، أو علمانياً، أو إسلامياً، أو مسيحياً، بوسعه خسارة القدس كعاصمةٍ لهم، وسنرى بالضبط ما يعنيه هذا في الأيام والأسابيع المقبلة. فهناك 300 ألف من المقدسيين المقيمين، دون أن يكونوا مواطنين، بالعاصمة الإسرائيلية المُعلنة حديثاً، وقد ألقى ترامب قنبلةً وسطهم.

وستكون الجمعة المقبلة، 8 ديسمبر/كانون الأول، هي الذكرى الثلاثين للانتفاضة الأولى. فقط راقبوا رد الفعل الفلسطيني على جدران البلدة القديمة، آخر "الزوايا" التي تُرِكت لهم، وهي تُضاء بألوان العَلمين الإسرائيلي والأميركي.

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد