مع تدخل موسكو في سوريا واحتكاك الطيران الروسي مع الطيران الأميركي باتت سوريا تتحول شيئاً فشيئاً إلى أشبه ما تكون بحلبة المصارعة في مسابقة "رويال رامبل" (الصراع الملكي) في البرنامج الأميركي الشهير WWE، حيث يلتقي 30 مصارعاً وأكثرهم قوة في العالم، داخل حلبةٍ واحدة وعلى مدار ساعات يُقصي كل واحد الآخر حتى لا يتبقى سوى أقوى اثنين، وحينها تكون المسابقة قد وصلت لذروتها، حيث سيقضي واحد منهما على الثاني.
في سوريا تجري الآن مصارعة "رويال رامبل" تأكل الأخضر واليابس، بحسب ما نشرته النسخة البريطانية من موقع "ذا كونفرزيشن".
فالأزمة السورية التي بدأت منذ نحو 5 سنوات، تتصارع فيها أطراف عدة: جيش النظام السوري، وفصائل المعارضة المتعددة، والمسلحون الإسلاميون كجيش الإسلام وجبهة النصرة، إلى جانب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وكذلك قوات التحالف الدولي، وأخيراً القوات الروسية.
متحدون ضد "داعش"
الجميع يؤكد أنه يواجه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والروس لعبوا على هذا الأمر، وتلاقى التدخل العسكري الروسي لضرب "داعش" مع بعض الأهداف المشتركة مع الحِلف المناوئ للأسد، الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا وفرنسا وتركيا و6 دول عربية مجاورة على الأقل.
ووفق ما ذكره الموقع، فقد تدخلت كل هذه الأطراف عسكرياً بدرجات متفاوتة سواءً بضرب مواقع تنظيم الدولة أو بتقديم تسهيلات لضرب الأهداف التي يراها كل طرف استراتيجية.
ويقول الموقع: "لكن يبقى السؤال: لمن هذه الأهداف استراتيجية؟".
ويجيب بأنه في الظاهر يمكن تفسير الضربات الروسية على أنها ضد "داعش"، والأصل أن روسيا جاءت من أجل محاربة التنظيم، ولكنها بالفعل تقوم بسحق أي معارضة تقاتل قوات الأسد، بما فيها "داعش".
ويضيف أنه إذا انسحبت "داعش" من سوريا أو عقدت هدنة مع الأسد فلن تكون في مرمى نيران روسيا، لكن كل هذه السيناريوهات بالطبع غير واردة؛ لذا حتى ومن دون تنسيق سيعمل الغرب والشرق معاً لقتال "داعش" الذي يعتبره الجميع "البعبع" الكبير في سوريا.
ويسيطر "داعش" الآن على مناطق مترامية في سوريا، فيما يحتدم القتال بين قوات الأسد ومعارضيه في مناطق أخرى بالبلاد.
ويمضي الموقع: "إذا أُضعِفت داعش سيتواجه المقاتلون الروس مع التحالف الغربي"، حيث إن هدف روسيا في سوريا هو إبقاء الأسد في السلطة، في المقابل تسعى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إلى تنحية الأسد عاجلاً أم آجلاً.
ومن وجهة نظر قانونية مازال لنظام الأسد مقعدٌ في الأمم المتحدة، ومازال معترفاً به كحكومة شرعية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد أن تدخل روسيا هدفه الأساسي حماية نظام الأسد، لكن 90% من ضربات قواته لم تستهدف "داعش"، وهذه خطوة ذكية من الجانب الروسي، حسب الموقع.
بوتين – بحسب الموقع – ليس أحمق، وهو يحافظ على العلاقات القديمة التي تربط روسيا بالنظام السوري، وأن إحياءه القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس القائمة منذ عام 1971 عندما كان الرئيس الحالي بشار الأسد طفلاً بينما كان والده حافظ الأسد في سدة الرئاسة، خير دليل على ذلك.
والأهمية الاستراتيجية لقاعدة طرطوس العسكرية تأتي من كونها آخر منشأة روسية خارج الاتحاد السوفييتي السابق.
صراع العمالقة
كل المؤشرات تؤكد أن روسيا لن تتخلى عن الأسد، ولهذا قد يكون الصراع الدائر في سوريا أخطر صراع دولي في التاريخ المعاصر، ففي العراق أو أفغانستان أو أوكرانيا لقيت القوات الأميركية أو الروسية أعداء محليين عسكراً أو مدنيين، أما حرب الوكالة المشتعلة في سوريا فهي صراع عمالقة لم يُشهد له مثيل منذ حروب الكوريتين أو فييتنام.
وهي المرة الأولى منذ عقود التي تتواجه فيها الجيوش الغربية مع الجيش الروسي، ولا يبدو أن أياً من الطرفين لديه نية التراجع.
فبينما تتجه الولايات المتحدة لتسليح المزيد من مقاتلي المعارضة الكردية والسورية في المنطقة، فإن روسيا بصدد نقل المزيد من مدفعياتها الثقيلة ودباباتها إلى سوريا، في حين أن بريطانيا تعمل على إحراز تصويت جديد في البرلمان لتوسعة رقعة ضرباتها من العراق إلى سوريا دعماً لأميركا.
كما دفعت الغارات الروسية التي اخترقت الأجواء التركية مؤخراً حلف شمال الأطلسي (الناتو) للتحذير من أنه سينشر قواته عملاً بمبدأ استراتيجية دفاعه الجماعي "الاعتداء على فرد هو اعتداءٌ على الجميع"، معتبراً اختراق الأراضي التركية سياسة تصعيدية من موسكو.
أما بالنسبة لسوريا فكل النتائج كارثية، فالوضع هناك أدى إلى تشريد 12 مليون مدني، ويبدو أن الأمل في عودة السلام قريباً إلى سوريا ضئيلٌ جداً.