لم تكن الأردن يوماً من تلك الدول الصناعية حتى على مستوى الدول النامية والعربية منها بالذات، عندما تكون مثلاً فاتورة الطاقة لديها هي التي ترهق الموازنة الأردنية على مدار سنين وسنين، والتي تبلغ شهرياً نحو 385 مليون دينار.
فقد بلغت مستوردات المملكة من الطاقة نهاية الشهر الحالي 1,06 مليار دينار أردني، وبالمقارنة بنفس الفترة من السنة السابقة 2015 نجدها قد انخفضت بنسبة 7% حين كانت مستورداتها 1,13 مليار دينار.
مع ذلك، من الواضح أن هناك فاتورة طاقة ضخمة رغم فقر المملكة، خصوصاً أنها تعتمد في توفيرها لمصادر الطاقة المختلفة على استيراد ما نسبته 95% من مصادر خارجية، والواضح أيضاً أن هناك تحدياً كبيراً يواجهها حين تبحث حكوماتها عن مصادر جديدة للطاقة تكون أكثر استمرارية وأقل تكلفة، لكن هذا لا يعني بالضرورة إبرام عقد استيراد للغاز الطبيعي من دولة الاحتلال الصهيوني، حين وقعت أخيراً شركة الكهرباء الوطنية المملوكة للدولة عقد شراء مادة الغاز الطبيعي من الكيان الصهيوني بقيمة 10 مليارات دينار سوف تدفع من جيب المواطن الأردني على مدار العشر سنوات القادمة، إن ذلك مرفوض؛ نظراً للأسباب التالية:
أولاً: هناك مصادر أخرى للغاز الطبيعي أكثر أماناً من المصدر الصهيوني، خصوصاً أن هذه المصادر عربية ومن دول تربطها بالمملكة علاقات طيبة، كدولة قطر ومصر والجزائر، لطالما تحصلت المملكة على الطاقة، وخصوصاً البترول بقيمة "صفر"، وخصوصاً من العراق أيام الرئيس صدام حسين، نظراً للعلاقات الطيبة التي كانت تربط الأخير بالراحل الملك حسين، وهذا دليل على إمكانية المملكة الحصول على مصادر عربية بأسعار أقل، هذا إن سلمنا بعدم حصول المملكة على الطاقة بطريقة المساعدات الأقل سعراً عند أقل تحديد.
ثانياً: هناك دراسات علمية وموثقة حول الصخر الزيتي الذي تعتبر الأردن غنية به، خلصت إلى أنه ما دام سعر برميل النفط تحت سقف 35 دولاراً، فإن عمليات استخراج الطاقة من الصخر الزيتي تكون أكثر جدوى من استيراد النفط والغاز المسال، لقد نشرت هذه الدراسات في ثمانينات القرن الماضي، حين كان سعر برميل النفط وقتها دون العشرين دولاراً، ولم نشهد تلك الخطط الاستراتيجية المتوسطة والطويلة الأجل التي كان من الواجب على الحكومات الأردنية المتعاقبة تبنيها لتطوير صناعة الزيت الصخري مستقبلاً، أما اﻵن فقد وصل سعر برميل النفط إلى ما دون 35 دولاراً، ولا جدية في تفعيل صناعة الزيت الصخري الملحة.
ثالثاً: ليس من الضروري تشغيل محطات توليد الكهرباء في الأردن على الغاز المسال، والذي يعتبر من الأكثر تكلفة، بغض النظر عن عدم الاهتمام الحكومي الواضح بمسألة تطوير صناعة الزيت الصخري، وتطويع محطات الكهرباء لها، فهناك منتجات الزيت الثقيل "الفيول"، وهي من المنتجات الجانبية لمصفاة البترول الأردنية بعد عمليات تكرير النفط الخام وهي بكميات ضخمة، هذه المنتجات سوف تكسد تماماً بعد بدء استيراد الغاز من الكيان الصهيوني، وستواجه شركة مصفاة البترول الأردنية خسائر ضخمة جراء ذلك، في حين كان ممكناً استخدامها كمصادر طاقة متوفرة باستمرار ورخيصة جداً، نظراً لانخفاض أسعار البترول عالمياً، والتي ستستمر كذلك طوال العشر سنوات القادمة مع تذبذبات طفيفة، حسب المحللين الاقتصاديين.
رابعاً: هناك غموض أو أكثر حول إبرام هذا العقد، والهدف منه أيضاً بعد تلك الأسباب، خصوصاً أنه تم توقيعه بعد تقديم حكومة الملقي لاستقالتها عقب الانتهاء من الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو ما جاءت لأجله، وأيضاً في ظل عدم وجود برلمان أردني، رغم دستورية التوقيع، ألم يكن من الواجب انتظار تشكيل الحكومة الجديدة وبدء البرلمان الأردني الجديد بدورته العادية في أدنى منطق؟!
خامساً: رغم اتفاقية وادي عربة للسلام بين الأردن والكيان الصهيوني، ورغم التطبيع بينهما على أعلى مستوى حتى درجة وجود سفارات، فإن ذلك لا يلغي أن غاز الكيان هو غاز مسروق كونها دولة احتلال، هذا غاز الفلسطينيين وأجيال الفلسطينيين وليس غاز بني صهيون كي نشتريه منهم بالمليارات!
سادساً: ليس من الواجب وضع المواطن الأردني – نفط البلد – وأغلى مورد للحكومة بين فكي كماشة؛ الفك الأول فاتورة الطاقة المرتفعة التكاليف ذات الثبات في السعر لمدة عشر سنوات قادمة، ونقصد بثبات التكلفة هو أن سعر الغاز الصهيوني لن يكون خاضعاً للسعر العالمي لا بالزيادة ولا بالنقصان، ومن المتوقع أن ينخفض سعر الغاز عالمياً في السنوات القادمة، إذاً أين الوفورات التي ينشدها البلد من وراء هذا العقد؟! الفك الثاني هو وضع مستقبل الصناعات الأردنية والصناعيين الأردنيين والتجار وحتى المواطنين العاديين تحت نير الابتزاز الصهيوني الإسرائيلي المعروف، الذي يعتبر مبدأ حياة لليهود.
سابعاً: من المعروف أن الإدارة الأميركية سعت دائماً لربط اقتصادات الدول الملاصقة للكيان باقتصاد الكيان نفسه من خلال خلق تلك الفرص الواهية، التي تهدف بالضرورة إلى جعل هناك حالة من عدم الاستقرار في هذه الدول من جهة، ومن جهة أخرى لربط مصير تلك الأنظمة، وتلك الدول بمصير هذا الكيان، فمن المعروف أن الكيان الصهيوني حتى لو كان متفوقاً عسكرياً في المنطقة، إلا أن أحد أهم عوامل ثباته في المنطقة هي تلك العمليات الاقتصادية المتبادلة فيما بينه وبين تلك الدول العربية المحيطة به بالذات ناهيك عن تلك العمليات التي وصلت إلى الخليج العربي وغيره.
من الواضح عزيزي القارئ أن بلداً كالأردن أقحم في مسألة فاتورة الطاقة هذه إقحاماً، وهو ليس ببلد صناعي أصلاً، ﻷهداف لا يعلمها إلا الله سبحانه وبني صهيون ومن ورائهم في غير ذي زمن.
تنويه:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.