في حلبة الكيك بوكسينغ

كان هدفي منذ أيَّام الجامعة وحتى قبلها في مراحل مبكرةٍ جداً من شبابي، أن أكون من أهم الخبراء والمتخصصين في مجال دراستي، حيث نشأتُ في أسرةٍ همُّها الأول هو العلم والتخصص، وكان هذا الأمل يراودني ليلاً ونهاراً، وكنت أُمنِّي النفسَ قائلاً: ولمَ لا؟ فأنا لا ينقصني العقل ولا الصبر ولا الشغف بهذا التخصص؛ كي أصبح من أهم رواده وأشهر أعلامه.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/26 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/26 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش

كان هدفي منذ أيَّام الجامعة وحتى قبلها في مراحل مبكرةٍ جداً من شبابي، أن أكون من أهم الخبراء والمتخصصين في مجال دراستي، حيث نشأتُ في أسرةٍ همُّها الأول هو العلم والتخصص، وكان هذا الأمل يراودني ليلاً ونهاراً، وكنت أُمنِّي النفسَ قائلاً: ولمَ لا؟ فأنا لا ينقصني العقل ولا الصبر ولا الشغف بهذا التخصص؛ كي أصبح من أهم رواده وأشهر أعلامه.

وكنت ربما أتخيل وأتمنى أكثر مما أعمل وأجتهد، وكان صوتٌ من داخلي دائماً ما يخدِّر همَّتي قائلاً: حسبك ما أنت عليه الآن، زد قليلاً وانتظر حتى تتاح لك إحدى الفرص الذهبية، أو أن توفق بالسفر إلى دولةٍ غربيةٍ فتدرس شهادة في مجال تخصصك، فتكون بذلك قد حصّلت المجد من أطرافه.

غير أنني كنت كثيراً ما أجيب هذا الصوت بأنه في الوقت الذي أنتظر فيه هذه الفرصة فإن هنالك أناساً آخرين يعملون ويجتهدون أكثر مما أعمل وأجتهد، وأنهم سوف يسبقونني لا محالة إذا ما ضعفت همتي وتشاغلتُ عن هدفي. هذا كله إن كنت على نفس الخط معهم، فكيف إن كانوا هم أمامي أصلاً فسيتطلب الأمر جهداً مضاعفاً لمجرد اللحاق بهم ومحاولة تجاوزهم. وربما تأخذني الحميَّة، فأذهب وأشتري كتاباً لأقرأه، فيستغرق هذا الكتاب معي أشهراً لإنهائه، وربما انشغلت بكتابٍ آخر لا يمتُّ لهدفي بِصِلة، فأسهو عن الغاية وتفتر همَّتي ويصيبني قول الشاعر:

لحظةً يا صاحبي إن تغفل …. ألف ميلٍ زاد بعد المنزل

وفي أحد الأيام رأيت على التلفاز مشهداً أَرْجَعَ أهدافي إلى قواعدها بعد طول تحليقٍ في سماء الآمال البعيدة، رأيت جولةً من جولات الكيك بوكسينغ، ورأيت كيف أنَّ الرجل القويَّ المتدرب إلى أقصى الدرجات ينهال على الرجل القويِّ الآخر بوابلٍ من اللكمات والرفسات بلا هوادةٍ، مع أنَّ الرجل الثاني المسحوق هو رجلٌ قويٌّ أيضاً، ومن المرجَّح أنَّه قد تدرَّب كثيراً، وقضى الليالي والأيَّام في هذا المضمار يتمرَّن بجديةٍ استعداداً لهذا اللقاء، ولكنَّ الأوَّل كان هو الأسبق، هو الأمهر، وهو الأقوى.


"هذه هي قواعد اللعبة، إذا أنت تهاونت في التدريب وتحصيل المهارات من أجل التفوق في مجالك، فإن غيرك ممن يفوقك مهارةً وتدريباً وصبراً سوف يظفرون بأوسمة التميُّز بدلاً منك، وتكون أنت بذلك شخصاً عادياً يبارزه الأبطال لإبراز قوتهم والتباهي بعضلاتهم".

فلو أنني تخيَّلت نفسي في سباقي على المراكز الأولى في مجال تخصصي مع من هم في عمري ووزني وخبرتي، فكم من ضرس سأفقد، وكم من لكمة سأتلقَّى، وأي العينين ستنتفخ أولاً عند أول مواجهة؟ هذا إن كان المنافس من نفس وزني وكفاءتي، فكيف لو أنِّي في جولة الوزن المفتوح، والمصارعُ أغزر مني علماً، وأشرس خبرةً، وأعلى مهارةً؟ ربَّما عليَّ كتابة وصيَّتي قبل اللقاء!

لقد بدأت بوضع هذا المثال نصب عينيَّ في كل خطوة أخطوها وفي كل مرحلةٍ أنتقل إليها في مشوار تحقيق أهدافي. فلا يكاد يمرُّ عليَّ العدد القليل من الأسابيع حتى أعدَّ جلسات خلوةٍ مع نفسي، أسألها في كلِّ جلسةٍ سؤالاً محدداً لا مهرب من الإجابة عنه:

هل أنتِ مستعدةٌ لأي لقاءٍ مرتقبٍ مع خصمٍ قويٍّ في حلبة التخصص؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد