تكافح الكويت، كمعظم أقطار الشرق الأوسط، لخلق مزيد من التنوع في اقتصادها لتنأى بنفسها عن النفط. وبعد الانخفاض المشهور لأسعار النفط سنة 2014، أصبحت دول الخليج النفطية غير قادرة على إرساء الإصلاحات اللازمة لتحصين اقتصاداتها المتضررة من الخسائر المالية التي تكبدتها.
وعلى خلاف بقية دول الشرق الأوسط تمتلك الكويت هيئة تشريعية بمقدورها أن تؤثر على حركة الإصلاح بطريقة أو بأخرى. ويعتبر البرلمان الكويتي من بين المؤسسات الأكثر تأثيراً في البلاد، ما يمكِّنه من الوقوف بالمرصاد لقرارات الحكومة، وفقاً لما ذكر موقع "ستراتفور".
سلطات واسعة
توجَّه المواطنون الكويتيون إلى صناديق الاقتراع، السبت 26 نوفمبر/تشرين الثاني، لانتخاب أعضاء البرلمان الجديد الذي سيضطلع، بصفة استثنائية، بمهمة سَنّ القوانين الإصلاحية. وتجدر الإشارة إلى أن الوقت الذي ستستغرقه عملية إعادة تشكيل البرلمان وسَنّ الإصلاحات تعتبر في حد ذاتها عرقلة للمسار الإصلاحي في الكويت. أما على المدى البعيد فلن يقوم البرلمان بأية إصلاحات تذكر لإعادة الاقتصاد الكويتي إلى سابق عهده.
حجم السلطة التي يمارسها البرلمان في البلاد تسبق النفط بأشواط. فعندما اكتشف النفط بالكويت في ثلاثينات القرن الماضي، كانت أسرة الصباح تحتكر الساحة السياسية، لكنها لم تستطع تسلم مفاتيح السيطرة على الاقتصاد الكويتي. وتبعاً لهذا المعطى، طالبت العائلات البارزة في التجارة بنيل مزيد من التمثيل السياسي. وما إن حققت ذلك حتى أصبح انتزاع هذا القدر من النفوذ منها أمراً بعيد المنال.
وقد منحت الكويت صلاحيات للبرلمان تخول له فرض مراقبة دستورية على عمل الأسرة الحاكمة. كما يمكن لهذه المؤسسة، على سبيل المثال، أن تدعو إلى التصويت لسحب الثقة من رئيس الوزراء، وتأخذ على عاتقها مهمة عرقلة أو اقتراح التشريعات واستجواب وزراء الحكومة حول مدى نجاعة السياسات المتبعة (وهذا هو السبب الذي يكمن وراء حل البرلمان الأخير)، بحسب ما ذكر موقع "ستراتفور".
ويلعب البرلمان إضافة إلى المهام الموكلة إليه دوراً فعالاً في تنظيم عملية التداول السلمي على الحكم في البلاد؛ إذ يجب أن يوافق البرلمان على ولي العهد، وإذا حُجبت الموافقة، فسيتم عندئذ اختيار أحد المرشحين الآخرين ضمن قائمة يمدَّهم بها العاهل الكويتي.
هذا بالتحديد ما يجعل الانتخابات المقبلة في غاية الأهمية. فبعد أن أصبح الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أميراً، في السنوات القليلة الأولى، كانت الخلافات البرلمانية في كثير من الأحيان تحدُث نتيجة للصراع المحتدم بين أبناء الصباح. لكن الأوضاع تغيرت نتيجة لانتقال الصراع إلى المعارضة السياسية في البرلمان والأسرة الحاكمة.
ومن مميزات السلطة التشريعية في الكويت عملها نسبياً على التنوع الذي يعكس نوعاً ما احترامها لمبدأ التسامح في تعاملها مع المعارضة وحفاظها على حقوق الأقليات. ويظهر ذلك في تمكينها للجماعات السلفية والإخوان، والأحزاب القبلية والجماعات الليبرالية، التي تعارض سيادة العائلة الحاكمة، من التصويت لممثلين عنهم في البرلمان.
تغيير القانون الانتخابي
وبعد تغيير القانون الانتخابي عام 2012، الذي كان الهدف منه إضعاف المعارضة السياسية، قررت مجموعات مثل جماعة الإخوان المسلمين الكويتية المعروفة باسم الحركة الدستورية الإسلامية والبعض من الجماعات السلفية الأخرى، مقاطعة الانتخابات التي تلتها سنة 2013، وفقاً لما ذكر موقع "ستراتفور".
كما تعهدت بقية التكتلات السياسية الأخرى، (وفي الوقت الراهن يعتبر شق الجبهة الشعبية من أبرز الأطراف في المعارضة)، بدخول ساحة المنافسة في الانتخابات القادمة. وعلى الرغم من أن المعارضة قد تكون منافساً شرساً إلى حد ما في الانتخابات المقبلة، فإنه من المتوقع أن يدعم كل من الإسلاميين وبقية الحركات الأخرى حضورها في الانتخابات الأخيرة التي شاركوا فيها.
وعندما ينعقد المجلس التشريعي فإنه سينحصر نوعاً ما في نطاق عمل أعضائه. أما في الآونة الأخيرة فإن الاقتصاد الكويتي يواجه نسبياً مصيراً ضبابياً؛ إذ سجلت قيمة صادرات الطاقة انخفاضاً حاداً منذ عام 2013؛ لتتراجع من 108.6 مليار دولار سنة 2013 إلى حوالي 45 مليار دولار هذا العام. بالإضافة إلى أن الناتج القومي الخام قد تقلص من حوالي 174 مليار دولار إلى 111 ملياراً تقريباً.
وللمرة الأولى منذ سنة 1999، سجلت الكويت عجزاً في ميزانها الاقتصادي يقدر بنحو 15 مليار دولار بين سنتي 2015 و2016. كما أن المؤشرات الاقتصادية الحالية تشير إلى أن هذا العدد من المرجح أن يتضاعف السنة القادمة.
وأجبر البرلمان الكويتي، رغم المخاطر المحدقة بالاقتصاد، الحكومة على اقتراح العديد من الإصلاحات التي تهدف إلى خفض العجز في الموازنة وتغطية النفقات. ومن بين هذه المقترحات، الدعوة إلى توحيد أنظمة دفع مستحقات موظفي القطاع العام ضمن نظام عام للأجور، وهو الاقتراح الذي لقي استحساناً كبيراً في صفوف الطبقة الحاكمة؛ لأنه من المرجح أن يقلص من حجم نفقاتها إلى حدود 10 مليارات دولار. ولكن تمت عرقلة هذا المشروع الإصلاحي بعد اقتراح إضافة عمال القطاع النفطي إلى قائمة الموظفين المؤهلين. ومن المقترحات الأخرى، التي وقع تنفيذها، زيادة أسعار الطاقة لتعويض الضرر المالي الذي خلفته منظومة الدعم المكلفة.
عرفت معظم هذه المقترحات طريقها إلى البرلمان، الذي يتيح على نطاق واسع في الساحة السياسية فرصة مناقشة القوانين المقترحة والمسائل المطروحة. وفي بعض الأحيان يؤدي تضارب المصالح إلى حل البرلمان، لكن هذا لا يعدو أن يكون دليلاً على القوة التي تتحلى بها الهيئة التشريعية، أكثر مما هو دليل على ضعفها. (والجدير بالذكر أنه لم يستطع أي برلمان الصمود على مدى أربع سنوات كاملة، وستكون الانتخابات القادمة هي السادسة من نوعها في البلاد في 8 سنوات).
المزيد من الإصلاحات
وجاءت هذه الانتخابات في الوقت الذي كانت تستعد فيه الحكومة إلى اقتراح المزيد من الإصلاحات الاقتصادية التي يتمثل بعضها في فرض ضريبة 5% على التحويلات المالية والخصخصة الجزئية لقطاعات الرعاية الصحية والتعليم، وإصلاح منظومة الدعم. بالإضافة إلى فرض ضريبة 10% على الشركات، فضلاً عن ضريبة القيمة المضافة التي ستثير في نهاية المطاف جدلاً واسعاً.
وبطبيعة الحال، ستسلط الحكومة الضوء على جل هذه المسائل، كما أنها من المتوقع أن توافق على بعض مطالب المعارضة أو تغضّ الطرف عن المطالب الأخرى. وفي الوقت الحالي تستطيع الكويت الصمود في وجه هذه الأزمة الاقتصادية؛ لأن تعيش رخاءً مالياً سيساعدها على أخذ الوقت الكافي لإجراء الإصلاحات اللازمة.
وحتى إذا ما استمرت في استنزاف الأموال من صندوق الثروة السيادية، الذي يضخ إليه سنوياً ما يقارب 30 مليار دولار سنوياً لمدة 10 سنوات، فلن يؤثر ذلك كثيراً على مدخراتها من العملة الصعبة التي سيبقى فيها النصف تقريباً بعد تلك المدة.
ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن البرلمان يمكن أن يوقف جميع تدابير الإصلاح التي بدأ العمل بتنفيذها. أما إذا وقف المسار الإصلاحي الذي يتخذه البرلمان عقبة في طريق ما يُقال عنه "إصلاحات ضرورية"، فعندها ببساطة سيقع حل البرلمان مرة أخرى قبل نهاية ولايته.
وهذا يوضح التحدي الأساسي المطروح أمام الكويت، التي بنت نموذجاً اقتصادياً قائماً بالكامل على عائدات النفط والغاز الطبيعي لدعم القوة العاملة لديها. لكن مع قوة برلمانها، ستصبح لديها مرونة الأقل من أي دولة أخرى في المنطقة للتخلي عن هذا النموذج. كما تعتبر مسألة مناقشة التخفيض في النفقات الموجهة للأجور موضوعاً شائكاً للغاية.
أما بالنسبة لبقية أعضاء مجلس التعاون الخليجي، فقد اتبعوا جملة من الإصلاحات الاقتصادية المالية والاستثمارية اقتداء بنموذج دبي، لكن الكويت لا يمكنها بسهولة أن تحذو حذوها. وعلى عكس دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، فإنه لا يمكن للكويت قبول القوى العاملة الأجنبية التي تشغل الوظائف الرئيسية في القطاع الخاص، كما حدث الأمر في دبي. ففي الكويت، يقوم معظم العمال الأجانب بأداء الوظائف التي يرفضها الكويتيون.
وعلاوة على ذلك، فإن اعتماد نموذج اقتصادي مماثل يتطلب استكمال إعادة هندسة النظام الاجتماعي.
ولئن استغلت الكويت عامل الوقت لصالحها، فإن آفاق الإصلاح ستظل قاتمة. وفي غياب أي نية لاتباع النموذج الإماراتي، فإن المجتمع الكويتي سيقضي العقد المقبل في محاولة اتخاذ القرار الحاسم إزاء السياسة الاقتصادية التي يجب تبنيها.
هذه المادة مترجم نقلاً عن موقع "ستراتفور"، للاطلاع على المادة الأصلية اضغط "هنا".