أما التقليد الآخر في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الألمانية، فهو التقليد الإسلامي الذي بدأ يأخذ مكانه منذ نهاية ثلاثينات القرن العشرين، فأي مراقب لوتيرة ترجمات معاني القرآن الكريم إلى الألمانية سيلاحظ -ولا ريب- النشاط الكبير للمترجمين المسلمين، سواء أكانوا مسلمين وافدين أو من أصول ألمانية، وهذه الترجمات الإسلامية تصدر في الغالب عن روابط المساجد ودور النشر الإسلامية.
1- ولعل أول ترجمة لمعاني القرآن إلى الألمانية قام بها شخص مسلم، هي الترجمة التي قام بها صدر الدين الأحمدي في برلين (عام 1939)، وفيها وضع الأصل العربي في مقابل الترجمة الألمانية.
2- وفي عام 1954 كانت الترجمة الثانية لميرزا بشير الدين، وهو من الطائفة الأحمدية أيضاً، ويقال إن الأزهر مدح هذه الترجمة في حينها، ووصفها بأنها ممتازة، وقد تم تنقيح هذه الترجمة عدة مرات، آخرها في سنة 2013، بإشراف رئيس الفرقة ميرزا مسرور أحمد.
3- وبسبب الاحتياجات المتزايدة زاد عدد الترجمات التي ينجزها مسلمون، خاصة في عقدي الثمانينات والتسعينات، ففي عام 1980 ظهرت ترجمة نديم إلياس وفرانك بوبنهايم (الشيخ عبد الله الصامت)، وهي الترجمة التي اعتمدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف للغة الألمانية، وهي تحتوي على شرح وافٍ بالألمانية مع إمكانيات مختلفة للترجمة للمواضع الصعبة!
4- وفي سنة 1986 جاءت ترجمة محمد أحمد رسول التي أعطاها عنوان "المعنى المقارب للقرآن الكريم"، وهي ليست ترجمة حرفية، ولكنها تعتمد على تصور تراثي تقليدي، وكثيراً ما اتهمت بأنها تحتذي الترجمة الأحمدية الثانية، بل إن مراد هوفمان يرى أن ترجمة رسول تعتمد اعتماداً كاملاً على ترجمة ماكس هيننغ من عام 1901، وإثبات أي من الأمرين يحتاج -ولا ريب- لدراسة نصية متأنية، ولأن بها بعض الصعوبات في الصياغة التي تتعثر أحياناً، فقد قال عنها المستشرق المعروف توماس باور إنها ترجمة لا قيمة لها، وإنها سيئة أسلوبياً، وقريباً من هذا كان انطباع هارتموت بوبتسين عن هذه الترجمة أيضاً، ورغم ذلك فقد اشتهرت هذه الترجمة بين المسلمين في ألمانيا ربما بسبب وضعها مجانياً على صفحة الإنترنت الخاصة بالمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، مما يعني أنها كانت الترجمة المفضلة أو المقترحة التي يوصي بها المركز الإسلامي في دوراته التعليمية، وظل هذا الوضع قائماً حتى سنة 2009؛ حيث حلت محلها ترجمة الشيخ عبد الله الصامت التي طبعها مجمع الملك فهد.
5- وفي سنة 1987 صدرت ترجمة محمد سليم عبد الله، وعمله فيها يشبه عمل رودي بارت من ناحية استخدامه للغة ألمانية جافة، ربما كان يهدف من وراء ذلك إلى البعد عن اللغة الألمانية الدينية المعتادة.
6- وفي عام 1996 صدرت أول ترجمة قرآنية ألمانية لمسلم ذي أصول ألمانية، هو أحمد فون دنفر، من المركز الإسلامي في ميونيخ، وقد حاول فون دنفر في ترجمته هذه أن يذهب فيما يخص المصطلحات مذهباً يبعده عن مصطلحات التراث اليهودي المسيحي، كما هي معروفة في النطاق الألماني، وربما لهذا فهي غير معترف بها لدى علماء الإسلاميات الألمان الذين لا يستخدمونها، بل ولا يعتدون بها، لدرجة أن المستشرق المعروف توماس باور Bauer قال عنها إنها غير جيدة السبك وصعبة القراءة!
7- وفي عام 1997 صدرت ترجمة قرآنية تفسيرية بإشراف فاطمة جريم القريبة من مسجد ميونيخ أيضاً، وكانت بعنوان "معاني القرآن"، وقد صدرت في خمسة مجلدات التزمت فيها بالتقاليد الإسلامية السنية في التفسير، بالإضافة إلى نزعة دعوية (تبشيرية) واضحة، ولهذا أيضاً لم يحظَ العمل رغم ضخامته بالتفات علماء الإسلاميات الألمان الذين وصموه بأن الهدف منه تبشيري وليس علمياً، ولذا أيضاً فإنهم لا يستخدمونها.
8- وفي عام 1998 ظهرت الترجمة الخاصة لمراد هوفمان، ويعد بالتالي المسلم الثاني ألماني الأصل الذي ترجم معاني القرآن الكريم إلى الألمانية، وقد وصم المستشرقون الألمان ترجمته بالتهمة التبشيرية ذاتها، وظني أن هناك نوعاً ما من الحقد على هذا الرجل، لدرجة أنني سمعت بعض شباب المستشرقين يتفكه ويتندر عليه ويتساءل إن كان قد ختن بعد أن أسلم وتمنى لو أن العملية جرى تصويرها!
9- وفي سنة 1999 ظهرت ترجمة مصطفى ماهر وزوجته الألمانية (وكانت بتكليف من الأزهر، ولذا تعرف عادة بترجمة الأزهر)، وهذه الترجمة كما لمست بنفسي هي محل تقدير المستشرقين الألمان، وكانوا يفضلونها على غيرها لأسباب كثيرة، منها أنها جاءت في لغة ألمانية سهلة القراءة، وبها بعض الجماليات البلاغية، ولذا قد تكون الترجمة الوحيدة التي نالت إعجاب الفريقين المتصارعين على ترجمة معاني القرآن إلى الألمانية.
10- وفي سنة 2000 كانت ترجمة أمير زيدان التي توصف عادة بأنها الأكثر جذرية في البحث عن طرق جديدة في الترجمة غير الطرق الاستشراقية؛ بل وغير الطرق الإسلامية السابقة عليه في ترجمة معاني القرآن إلى الألمانية، وقد تمثل ذلك على سبيل المثال في استخدام المصطلحات العربية (إيمان، شرك، كافر، أمة)، كما هي في النص العربي، ثم ألحق بالترجمة معجماً يشرح هذه المصطلحات بالألمانية بتوسع، ولكنه رغم ذلك سقط في أخطاء سيئة، منها على سبيل المثال أنه استخدم كلمة (ولي) كما هي في النص المترجم، ثم ترجمها في المعجم الملحق بالترجمة بمعنى (صديق)، ومن ثم دعا المسلمين الألمان بالطبع إلى ألا يتخذوا غير المسلمين من الألمان كأصدقاء، وبسبب هذه الطريقة غير الموفقة، وكثرة المصطلحات العربية في نص الترجمة الألمانية، أصبح من الصعب قراءة هذه الترجمة خاصة بالنسبة للقارئ الألماني، وصعب بالتالي استخدامها من قِبل دارسي الإسلاميات الألمان.
وفي هذا السياق يمكن أن ننظر لترجمة الأفغاني الألماني أحمد ميلاد كريمي (2009)، التي حاول كما طمح غيره كثيرون إلى الاقتراب من الصياغات البلاغية للقرآن، وكان هذا صعباً، خصوصا أنه ينقل من لغة ليست لغته إلى لغة ليست لغته أيضاً.
وكما رأينا، فإن المجتمع العلمي الألماني في مجال الاستشراق وخارجه، يرفض أيضاً التعامل مع الترجمات التي قام بها مسلمون ألمان ووافدون، رغم أنها في الغالب أفضل من الترجمات الاستشراقية، وذلك بادعاءات عدة، منها أنها لا تلتزم بالمعايير الأكاديمية، أو أنها ذات نزعة تبشيرية، ومعدة في الغالب للدعوة بين الألمان أو لاستخدام المسلمين فقط.
وفي رأيي أنهم يخوضون -ربما دون أن يشعروا- صراعاً مكتوماً مع التقليد الإسلامي الجديد في الترجمات القرآنية إلى الألمانية، ولذا فهم يتحرون -ربما عن غير قصد- نقاط الضعف في أي ترجمة جديدة للتقليد الإسلامي حتى يصموها بالنقص، ويحدوا بالتالي من انتشارها.
وكما سبق، فإن الجاليات المسلمة تتعامل بدرجة الصدود نفسها أو أشد مع ترجمات المستشرقين وتراهم دخلاء مغرضين، وأن القرآن لا يترجم معانيه إلا مسلم طاهر، ولذا فإن أفراد الجاليات الإسلامية يتجنبون في الغالب الترجمات الاستشراقية، ويعتمدون على الكتيبات والترجمات التي تصدرها روابط المساجد والجمعيات الإسلامية أو المؤسسات الإسلامية الدولية ذات التأثير العالمي، مثل الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.