يوماً ما، وصف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أغنى رجل بالمكسيك بأنه "أكبر متلاعب"، واتهمه بقيادة مؤامرة إعلامية لإفشال حملته الانتخابية.
كان كارلوس سليم قد ألغى سابقاً عقداً لإذاعة برامج تلفزيونية يرعاها ترامب عبر شركاته، واصفاً إياه بـ"العنصرية".
ولكن يبدو أن كلاهما قد نحَّى خلافاته جانباً، في الوقت الحاضر على الأقل، وجلسا معاً لتناول وجبة العشاء يوم السبت 17 ديسمبر/كانون الأول 2016 بمنتجع ترامب مار ألاجو بفلوريدا.
لم يتم الكشف عن محتويات المائدة أو المناقشة التي تمت بينهما، لكن أطلق ترامب على لقائهما "عشاءً ساحراً مع رجل رائع"، في تصريح انفردت به صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
بدا تصريح الرئيس ودوداً بخصوص سليم، الذي هاجم ترامب حصته في ملكية صحيفة "نيويورك تايمز"، وصداقته مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الذي اعتاد سليم على التبرع لمؤسسته على مدار الأعوام الماضية.
كان ترامب قد صرَّح في 23 أكتوبر/تشرين الأول: "إن كارلوس سليم يستغل نفوذه بنيويورك تايمز. ذلك الثري الذي يستفيد من اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، ويدعم سياسات هيلاري كلينتون للحدود المفتوحة".
كوَّن كارلوس سليم، ذو الأصول اللبنانية، ثروته بالاستثمار في المكسيك، في وقت كان الآخرون يفرون منها. كما يذكر أن ثروة ترامب تتضاءل بالمقارنة بثروة سليم، الذي يعد من أغنى أغنياء العالم.
في أوائل التسعينات، نال سليم عقد احتكار تليميكس، التي تحولت مع الوقت لأكبر ثروة خاصة في العالم.
وهاجم سليم تصريح ترامب بإلغاء (نافتا)، الذي يهدد بالعودة للوراء لعقدين من الاندماج الاقتصادي المتنامي للولايات المتحدة الأميركية.
ونقلت "واشنطن بوست"، أن كوري ليفاندوفسكي، المديرة السابقة لحملة ترامب، قد طارت إلى العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، لترتيب اللقاء بين الرجلين اللذين يعدان من أشهر رجال الأعمال في العالم، والذي تطرق لموضوعات عدة مثل التجارة والاقتصاد.
جاءت أخبار اللقاء مفاجئة للجميع، حيث وصف ترامب المكسيكيين سابقاً بأنهم "مغتصبون"، ووعد ببناء جدار حدودي وطرد المهاجرين.
فدريكو استيفيز، أستاذ العلوم السياسية بمعهد أوتونومس التكنولوجي بالمكسيك علَّق على موقف ترامب بقوله: "يبدو أنه لا يحظى بأصدقاء مكسيكيين. المكسيكيون الذين يعرفهم يكرههم، مثل سليم".
لم يتحدث سليم بشأن اجتماعه مع ترامب، ولكنه خفَّف انتقاداته لترامب بعد الانتخابات، قائلاً لأحد المنتديات الاقتصادية: "لو بلغ نمو اقتصاد الولايات المتحدة 4%، وعززت البنية التحتية، وخفضت الضرائب، فهذا شيء جيد".
دبلوماسية المال
يقال على سبيل الدعابة، إن المكسيكيين لا يفعلون شيئاً بحياتهم أكثر من أن يضعوا الأموال في حافظة سليم كل يوم، مما يضع الرجل ذا الإمبراطورية الضخمة الممتدة بالمكسيك تحت طائلة الشبهات.
يقول إستيبان إلادس، المحرر بمجلة نيكسوس المكسيكية: "على قدر الوطنية التي ربما قد يتسم بها سليم، إلا إن اهتمامه في المقام الأول هو بأعماله التجارية. لذلك، قد يكون هدف لقائه مع ترامب هو التأكد من أن شيئاً لن يمس اتفاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية. ربما لاحظ سليم أن الحكومة المكسيكية لا تفعل شيئاً، فأراد أن يقوم بالأعمال الدبلوماسية بنفسه".
وقد انخفضت قيمة البيزو المكسيكية منذ ضربت تطلعات ترامب الرئاسية، كل توقعات نمو الاقتصاد المكسيكي لعام 2017. إبان ذلك، صرحت الحكومة الفيدرالية والبنك المركزي بأن لديهما خططاً لمواجهة ترامب، وإن تم الإعلان عن مقترحات محدودة للغاية. ويراهن العديد من المكسيكيين أن ترامب سيهدئ من حدة مواقفه بمجرد توليه المنصب الجديد.
يقول استيفيز: "ما زالوا يتوقعون أن يخفف من حدة خطاباته، وبأنه بمجرد توليه المنصب سيفكر وسيتصرف بشكل مختلف عما كان يفعل أثناء حملته. إنهم يؤمنون بشدة بهذا الطرح، بالرغم من أنه لم يظهر أي دليل عليه حتى الآن".
وقد مثَّلت التجارب السابقة للرئيس المكسيكي إنريكي بينا نييتو للحوار مع ترامب عدة مشكلات. فقد قام بينا نييتو بدعوة ترامب، في أغسطس/آب الماضي 2016، لزيارة قصره الرئاسي بمكسيكو سيتي، لكنها جاءت مقابلةً مشؤومة؛ فقد انتقد المكسيكيون التصرف السلبي لرئيسهم، في حضور شخص متنمر قد يمثل أكبر تهديد لبلادهم منذ الحرب الأميركية-المكسيكية بأربعينات القرن التاسع عشر.
يقول خافيير غارزا، الصحفي والمحلل السياسي بمدينة توريون: "لم تعرف حكومة بينا نييتو كيف تتعامل مع ترامب منذ البداية. ليس من الواضح أن ترامب سيخفف من حدة خطابه الموجه للمكسيك. الواضح هنا هو أن ترامب يبدو ميالاً لاستغلال رجال الأعمال كحلقة وصل بينه وبين المكسيك، بدلاً من السياسيين والدبلوماسيين".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.