صغيرةُ أخي مرضتْ مؤخراً وكان العَرَض الذي اشتكت منه هو أَنَّ عينها تبكي، ما كانت تعرف أن العيون وسيلة تعبير وتفريغ وأنّ البكاء مصدره القلب، ووجع يمتلئ به حنايا الروح، فيفيض من مكنوناته فتضيق به السبل فيتكثف بخار الحزن لكي يصبح سائلاً يخرج من قنوات الغدد الدمعية. أهون أسباب البكاء هو أن تكون عيناك ملتهبة فعبرت عن حزنها بطريقة أعمق، قد تكون حزيناً لأمر فاتك، قد تكون مصدوماً لمصابٍ حلّ بك، وأسوأ الأمر عندما تكون مريض الروح تبكي داخلاً دون أن تبقى لديك القوة لكي تخرج دمعاً يخبر الأقوام أنها ماتت. وفي يومنا هذا، هناك الكثير ممّا يبكي وسأخبرك قارئي عن أمر واحد فقط وهو الرفض.
لي طبيبة أخبرتني عن صديقة لها، كانت مخطوبة لرجل رأت به الحلم حقيقة وشعرت بأنها على مقربة من تحقيق حلمها بأن تكون زوجة وأمًّا وأن تتشارك حياة مع فارس أحلامها. في طور انشغالها في التحضير للحدث الأكبر اكتشفت أنها مصابة بحويصلات في مبايضها مما قد يتسبب في تأخر الإنجاب ولكنه ممكنٌ بأدوية بسيطة. اختار أن يرحل، يرحل معاقباً لها على مرض عضوي ليس لها يدٌ في إصابتها به، تحقق له خياره، بكت على وسادتها طويلاً ولكن أتدري قارئي، عوّضها الله بمن هو أحسن منه، برجل يستوعب تقلبات الدهر ورزقها الله منه بذرية ستربيهم بطريقة لا تشابه الطريقة التي يتربى بها الهاربون.
ومن جهة أخرى، ففي مجتمعي معروف أنّ المصابين بالصرع لا يتزوجون لأنه لا يرضى بهم أحد، هم نشيطون أكثر من اللازم حتى تتكهرب خلاياهم دون سيطرة فتهتز أعضاؤهم ويفقدون الوعي دون رغبة منهم، ينامون بعد ارتجاج لكل أعضائهم الداخلية وكأنهم يأخذون أنفسهم من عالم صدمتهم إلى عالم الهروب من مواجهة من رآهم. ثمّ يأتي شخص ليرفضهم على ما لا طاقة لهم به، ويزيد كرههم للظروف كرهاً.
وهذا ينطبق على مريضي الاكتئاب الأحادي؛ فأولئك نكديّون اختاروا الوضع الذي آلوا إليه كما يزعم مجتمعي، وعلينا أن نهرب منهم، وكأن هؤلاء المرضى لا يحتاجون الحضن الذي يطمئنهم أنّ الحياة
ما زالت بخير وتستحق أن تعاش.
مؤخراً، رأيت مريضاً يعاني الاكتئاب ثنائي القطب، يتلخص هذا المرض في فترات من الاكتئاب وفترات من فرط النشاط والحديث وعدم ممانعة فعل أي شيء. هو أعزب وهو في عقده الخامس، سأله الطبيب عن سبب عدم زواجه فقال إنّه أراد أنثى، تقدّم لها شرعاً فأجابت بأنها لن تتزوج هذا "الخبيل". كان بإمكانها أن ترفض دون أن تهين، كان بإمكانها أن ترفض لهذا السبب دون أن تخبر به عالياً، وكان بإمكان من يوصل الخبر أن يتجنب إيصال هذه المعلومة ويكتفي بإيصال الرفض.
آخر صرخة في عالم الرفض هو رفض صاحبة الدين والخُلُق والجمال والنسب؛ لأنها وحسب جوازها لا تُنسب إلى بلاد الغرب. كل رجلٍّ يقف في طابور الانتظار، يريد أن يجد شريكة عمره، يكبت إعجابه، يوقف مشاعره عن العمل قبل أن يأخذ الإشارة الخضراء لكي يستمر بعد أن يتأكد أنها غربية الميلاد أو الجواز.
مجتمعي.. كنتَ سابقاً قد اشتهرتَ بازدواجية المفاهيم، ولكنكَ الآن لك مفاهيم متعددة الأشكال في كل شيء، تسيّر الأمور كما تريد، تترك الأصيل بحثاً عن المزيَّف، وتحث على قتل المشاعر رغبة في ماديّة لم تكن يوماً تعني شيئاً عند أصحاب العقول الراقية. ومع ذلك، أتدري قارئي، يحزنني الحديث عن هذا ويحزنني حزن أولئك الذين تربوا على شيء، بذلوا جهداً في سبيل السير وفقاً لتعاليم تشبعوا بها ثمّ صُدموا بما يناقض ذلك أو بما يتنافى معه، حزينةٌ أنا لأجلكم، ودعواتي لكم بلمّ الشتات بعد جهود ستضيع والتي يبذلها من لا يعرف مدى تمسككم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.