عشر عِبَر من الآي والسّور

قد يبدو من الجنون أن تسمع عن شخص اختار دخول السّجن بنفسه، لكن حين تدرك أنّ السّبب وراء ذلك هو تفادي مفسدة عظيمة، يصبح الأمر يستحقّ التضحية.. ومن يدري ما قد يختبئ له وراء القضبان.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/24 الساعة 01:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/24 الساعة 01:25 بتوقيت غرينتش


أولاً: ما يميّزها عن غيرها من السّور
السّورة نادرة في كونها قصّة متكاملة وكفى، فقط آخر ١٠٪‏ من آياتها ليست بقصة.
هي السّورة الوحيدة في القرآن الّتي تقصّ قصّة النّبي يوسف، وبشكل كامل، بينما نقرأ قصص سيّدنا آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى وشعيب وهود وصالح ولوط وداوود وسليمان ويونس في سور متعدّدة، كلّ جزء من هذه السّور يروي جزءاً من القصّة، أو القصّة نفسها، ولكن بمنظور مختلف.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ قصّة النّبي يوسف، بمضمونها، مختلفة عن غالبية باقي قصص الأنبياء في القرآن، فباقي أغلب القصص القرآني يركّز بشكل أكبر على كيفيّة دعوة النّبي لقومه، ورحلته معهم في هذه الدعوة، وردود فعلهم قولاً وعملاً؛ لتنتهي القصة بأن يفصل الله بين النّبي وقومه، لكنّ قصّة سيّدنا يوسف مختلفة بشكل كبير، والتّركيز فيها على حياة النّبي نفسه، منذ طفولته.
الدّعوة الوحيدة الّتي ترد بشكل صريح هي "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ"، لا تخصيص لقومٍ دعاهم، لا ذكر لردّة فعلهم، لا عذاب.

ثانياً: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب.."
1- أهمية التّربية وأثرها في غرس المفاهيم عند الطّفل
الآية الثّانية في القصة تشير إلى قول سيّدنا يعقوب لابنه: "قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"، فربط بذلك كيد إخوة يوسف له بالشّيطان، ثمّ افترق سيّدنا يوسف عن أبيه وأهله، وعاش في بيئة إيمانها مختلف.

الآية ما قبل الأخيرة في القصة تشير إلى قول سيّدنا يوسف: ".. وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"، فأعاد ربط كيد إخوته له بالشّيطان، كما علّمه أبوه منذ سنين طويلة.

2- "والله يعلم وأنتم لا تعلمون"
تسلسل الأحداث في قصة سيدنا يوسف يكشف لنا حِكَماً تغيب عن قصير النّظر، فالرّبط بين كلّ حادثة وما بعدها يغيّر منظورنا لها، وتظهر أيضاً العلاقات بين الأحداث المختلفة على مرّ الوقت.

فالكثير من الأحداث تظهر لنا بلا معنى، أو بمعنى سلبيّ إذا اقتطعناها من سياقها "كتأخير خروجه من السجن بضع سنين مثلاً"، لكن تظهر الحكمة منها ويظهر الخير فيها إذا ما وضعناها في سياقها كاملاً (أن يرجع الناجي إليه لتأويل رؤيا الملك وليصبح بعد ذلك وزير المال).

توقّف عند كلّ حدث في هذه السّورة، اربطه بما قبله وما بعده، لاحظ الدّقة في اختيار جميع التّفاصيل من أشخاص وأمكنة وأزمنة، فكّر كيف أنّ اختلاف عامل واحد من هذه العوامل يؤثّر بشكل كبير على مجرى القصّة، وكيف أنّ ما حصل كان هو الخير فعلاً، اربط بداية الأحداث بآخرها (مثال: وكذلك مكنّا ليوسف.. آية ذكرت عند دخول يوسف بيت العزيز وهو لا يزال طفلاً، ثمّ تكرّرت عند تسلّمه خزائن الأرض)، فكّر كيف أنّ كلّ حدث أدّى لما بعده، وبالتّالي لولا الحدث الأوّل ما كان الحدث الأخير.
تأمّل التّقدير والحكمة، تأمّل كيف أنّ الله يعلم ونحن لا نعلم.
افعل ذلك، ثمّ تذكّر، أنّ قصّة سيّدنا يوسف، قد رواها لنا من كتبها أصلاً، من يعرف تفاصيلها الدقيقة، فبدت لنا بكمالها.

تذكّر ذلك، ثمّ قِس ذلك على حياتك أنت.. لن تملك نفس النظرة الشاملة الكاملة عن حياتك؛ لأنّ نظرتك محدودة، وكثيراً من تفاصيلها غابت عنك بسبب ذلك.. لن تملك النظرة الآن، لكنّك تملك الثّقة فيمن أثبت لك بما لا شكّ فيه، أنّه يعتني بك، ويقدّر لك الخير.
لكن وجب عليك ألّا تنسى شرطاً مهمّاً: "إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ".

3- It's all about perspective
قد يبدو من الجنون أن تسمع عن شخص اختار دخول السّجن بنفسه، لكن حين تدرك أنّ السّبب وراء ذلك هو تفادي مفسدة عظيمة، يصبح الأمر يستحقّ التضحية.. ومن يدري ما قد يختبئ له وراء القضبان.

4- التّفاصيل الدقيقة تصنع فرقاً، ركّز عليها
فالقميص الممزّق من الأمام يختلف عن ذلك الممزّق من الخلف، الأوّل يشهد عليك، والثاني لك.

5- يا معشر الرّجال، لا تنفوا عن أنفسكم صفة الفتنة
فعلى الرّغم من كون الرّجل يفتتن بشكل المرأة أكثر ممّا تفتتن المرأة بشكل الرّجل، فإنّ ذلك لا يعني عدم افتتانها بالمطلق، فلا تعتقد مثلاً أنّ وضعك لصورتك على مواقع التّواصل الاجتماعي، لن يفتن أيّ امرأة.. وتذكّر أنّ النّفس أمّارة بالسّوء.

6- كلّ واحد منّا من دون الله ليس بشيء
والله عليمٌ بما يعملون.. وكذلك مكنّا ليوسف.. آتيناه حكماً وعلماً.. كذلك لنصرف عنه السّوء.. فاستجاب له ربّه فصرف عنه كيدهنّ.. وكذلك مكنّا ليوسف.. كذلك كدنا ليوسف.

لا شيء ممّا نحصل عليه في هذه الدنيا من توفيق وتيسير وعلم ومال وخير إلّا فضل من الله علينا، فهل نعترف بفضله في كلامنا كما فعل يوسف عليه السّلام "إنّه ربّي أحسن مثواي.. وإلّا تصرف عنّي كيدهنّ.. قد منّ الله علينا.."، أم نعزو النّجاح والخير لأنفسنا وللأسباب دون الله؟ (نفع الدّواء.. لقيت نتيجة درسي وتعبي.. أنا أستحقّ الرّاتب الإضافيّ أصلاً..).

7- عندما ييسر الله لك أمراً، خذ الخطوة الأخيرة نحوه
راقب كيف يسيّر الله لك الأمور، وحين يفتح أمامك فرصة في موقع يتناسب مع قدراتك، سوّق لنفسك "قَالَ [الملك] إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ، قَالَ [يوسف] اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ".

8- مهما بلغْتَ في الدّنيا، تذكّر الآخرة
كلّما بلغ الإنسان مراتب أعلى في الدنيا، زاد جهاده مع نفسه في محاربة شهوات الشهرة والمال وغيرها، فزاد اغتراره بالدّنيا وبمناصبها.. ووجب زيادة ذكر الآخرة وتجديد النّية وإخلاصها؛ لأنّ المناصب المهمّة فعلاً هي مناصب الآخرة، الّتي لا تُنال إلّا بالنّية الخالصة.. "وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ".

9- العفو ثمّ العفو ثمّ العفو
يواجه الكثير من النّاس في هذه الأيام مشكلة مع قدرتهم على العفو عمّن ظلمهم -حتّى عمّن اعترف بخطئه!- رغم وجود العديد من الآيات والأحاديث الّتي تحثّ على ذلك وتبيّن فضله.. وتأتي قصّة سيدنا يوسف كمثال وقدوة لنا، فرغم كلّ الأذى الجسدي والمعنوي الذي ألحقه به إخوته، ورغم تبعات ذلك وتأثيره على حياته بشكل كبير، فإنّه قَالَ: "لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ".
والتثريب هو التأنيب أو العتاب.. فهو (1) لم يعاتبهم، (2) عفا عنهم، (3) دعا لهم بالمغفرة!

10- العبرة بالخواتيم.. ولا تزكّوا أنفسكم
"تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"
لا يدري أحدٌ منّا متى يموت وعلى أيّ حال، فنحن في تقلّب دائم بين غفلة نرتكب فيها المعاصي وبين تقوى نقبل فيها على الله.. وأغلب حالنا غفلة، نسأل الله أن يعفو عنّا!

فإن كان نبيّ الله دعا أن يتوفّاه الله مسلماً، أفَلَسنا أولى أن ندعو ذلك؟ وإن كان نبيّ الله لم يزكِّ نفسه ولم يعتبر نفسه من الصّالحين بل دعا الله أن يلحقه بهم، فمن نحن كي تغترّ بنفسنا وبصلاحها؟ ألسنا أولى أن نُقبل على هذا الدعاء؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد