بعد هدوء نسبي، عاشته تونس، لثلاثة أشهر، عاد شبح الاغتيالات، يطفو على السطح من جديد، لاسيما في أعقاب نجاة نائب برلماني، من محاولة اغتيال، قبل أيام، الأمر الذي جدد مخاوف الشارع، من عودة هذا المسلسل الذي عاشته البلاد قبل نحو 3 أعوام.
وكان النائب في البرلمان عن حزب "نداء تونس" (الحاكم)، رضا شرف الدين، نجا الخميس الماضي، من محاولة اغتيال بالرصاص، بينما كان ذاهباً إلى عمله، في محافظة سوسة (شرق) التي شهدت في يونيو/حزيران الماضي، هجوماً "إرهابياً" تبناه تنظيم "داعش" حينها، مسفراً عن مقتل 38 سائحاً أجنبياً.
وعلى خلاف ما حدث سابقاً، لم تُوجه أصابع الاتهام للجماعات "الإرهابية"، بل غلب على ردود الأفعال شيئاً من التوجس.
ولأول مرة قفزت مفردات مثل "الفساد"، و"المافيا" في تصريحات السياسيين والمراقبين، كدافع رئيسي لمحاولة الاغتيال، مقترنة بفيديو نشره إعلامي مشهور، يقر فيه بمعرفة حقائق حول ملفات اغتيال، وتعرضه لمحاولات مشابهة.
ورضا شرف الدين (63 عاماً) من الشخصيات المعروفة في قطاع المال والأعمال، وارتبط اسمه بنادي النجم الرياضي الساحلي، وهو من أشهر النوادي في البلاد، فضلاً عن كونه صاحب شركة " أوني ماد" المتخصصة في صناعة الأدوية.
اغتيالات هزت تونس
ومنذ 2013، شهدت تونس عمليتي اغتيال هزتا الرأي العام، وكان تأثيرهما واضحاً على الحياة السياسية، حيث تمّ اغتيال كل من المعارضين السياسيين شكري بلعيد (فبراير/ شباط)، ومحمد البراهمي (يوليو/تموز)، على يد قيادات من تنظيم "أنصار الشريعة"، وفقاً لوزارة الداخلية.
ودفعت عمليتا اغتيال بلعيد والبراهمي، البلاد آنذاك، للدخول في دوامة سياسية، انتهت بانسحاب الترويكا (حركة النهضة، والمؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي) من الحكم، وتشكيل حكومة تقنوقراط بقيادة المهدي جمعة.
وكان الإعلامي التونسي المشهور، معز بن غربية، نشر في 5 من الشهر الجاري، مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيه إنه لجأ إلى سويسرا، إثر تعرضه لمحاولات اغتيال، بعد أن أعلن امتلاكه معلومات تكشف عن قتلة بلعيد والبراهمي، على حد قوله.
وجاء هذا الفيديو، بعد أسبوع من حادثة تعرض بن غريبة، لمحاولة اغتيال، في مقهى بالعاصمة تونس، في وقت أعلنت فيه وزارة الداخلية أنه تم إطلاق سراح المشتبه بهم (3 ليبيين) بعد التحقيق معهم.
وكانت النيابة العمومية فتحت تحقيقاً في موضوع فيديو بن غربية، تزامناً مع الجدل الذي أثاره بين الأوساط السياسية والحقوقية التي انقسمت بين من كذب الإعلامي وشكك في روايته، وبين داعم له ومؤكدًا صحة كلامه.
وفي تعليقه على محاولة اغتيال النائب شرف الدين، قال الكاتب والصحفي الصافي سعيد، إنه "مشكك فيها، ولم تعلن السلطات بعد عن نتيجة التحقيقات".
توتر قادم
وأضاف سعيد لوكالة الأناضول أن "العملية مؤشر لتوتر قادم، وأن البلاد على صفيح ساخن".
وفي رده على سؤال حول مدى علاقة الحادثة بالفيديو الذي نشره بن غربية، أوضح قائلاً: "هذا كله نتاج المشاكل التي يعيشها الحزب الحاكم (نداء تونس)، بعد الانشقاقات، وظهور صراع الأجنحة في الحزب بضغط من مجموعات مالية وأخرى خارجية، وهذا كله لغياب قائد للحزب (الباجي قايد السبسي) بعد أن غادره وأصبح رئيساً للجمهورية".
ويرى مراقبون أن أزمات داخلية تعصف بحزب "نداء تونس"، انطلقت مع مغادرة السبسي للحزب، وبدأت تطفوا على السطح صراعات وتصريحات للقيادات، وانشقاقات تنبئ بتأزم للوضع، آخرها كان استقالة الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، لزهر العكرمي، معللا مغادرته بـ "تفشي الفساد".
وتابع سعيد: "لا أظن أن أي أحد يمتلك معلومات حول اغتيال بلعيد والبراهمي، حتى الدولة التونسية نفسها لا تملكها، وإن تمكنت منها لن تستطيع الإفصاح عنها، ولن تفعل ذلك".
يشار إلى أن وزارة الداخلية التونسية، لم تحدد بعد، طبيعة عملية محاولة اغتيال شرف الدين، ولم تقدم توصيفاً واضحاً لها، مكتفية بأنه تم استعمال مسدسين، وخراطيش من فئة 9 مليمتر.
براءة الإرهاب
من جهته، استبعد العميد المتقاعد في الجيش التونسي، مختار بن نصر، أن تكون محاولة اغتيال النائب "إرهابية".
وقال "العملية الإرهابية لها شروط، من بينها أن يكون المستهدف له ثقل وتأثير سياسي كبير، إضافة إلى أن عملية رمي الرصاص بالكثافة من مكان قريب يمكن أن تكون غاية الفاعلين منها هو التخويف".
وفي تدوينة له على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قال رئيس الحكومة التونسية الأسبق، حمادي الجبالي إن "محاولات مافيا الفساد والترهيب زجت بلادنا في دوامة جديدة من العنف والاغتيالات لم تتوقف، وما حدث من محاولة اغتيال للنائب السيد رضا شرف الدين، هي حلقة أخرى لتقويض أركان الدولة، وإعادة إنتاج الديكتاتورية المقيتة".
وأضاف " كلنا مستهدفون نخباً، وشعباً، وعلينا أن نقف جميعنا دون تردد ولا حسابات في وجه هذا الخطر الحقيقي، من أجل حماية أرضنا ومكتسبات ثورتنا ودستورنا".