مذكرات حلبية: يوميات قنّاص أسدي على سطح القصر البلدي

لم يخطر في بال الحلبيين يوماً بأن ذاك المبنى الجميل الشاهق سيتحول إلى منصة مظلمة لا تُصدِّر لهم سوى الموت والقتل، بعد أن كان أحد أجمل المباني في مدينة "حلب".

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/21 الساعة 03:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/21 الساعة 03:10 بتوقيت غرينتش

لم يخطر في بال الحلبيين يوماً بأن ذاك المبنى الجميل الشاهق سيتحول إلى منصة مظلمة لا تُصدِّر لهم سوى الموت والقتل، بعد أن كان أحد أجمل المباني في مدينة "حلب".

القصر البلدي في حلب، أو كما يطلق عليه الحلبيون "قصر الموت"، بات مقراً لأشهر القتلة التابعين للنظام السوري وأكثرهم بطشاً بحق شعب طلب أمراً واحداً فقط "أن يعيش بسلام ".

وتوالى على ذاك "القصر" عدة قتلة محترفين، ما زالت سجلات بطشهم محفورة في أذهان الشعب الحلبي، الذي لا يمكن أن ينسى طلقات "القناصة" التي فتكت بأجساد العديدين في مدينة شطرتها آلة "الأسد" العسكرية إلى قسمين يصل بينهما معبر صغير يشبه في خطورته "جسر الموت".

وعلى الرغم من سماح النظام للمدنيين بالعبور إلى مناطقه عبر ذلك المعبر، فإن طلقات "القناصة" والاعتقالات على الحواجز، وإهانة الكبير قبل الصغير باتت واجبة عليهم.

"عباس العيسى" أو كما يطلق عليه رفاقه اسم "وحش المعارك"، أحد قناصة النظام الذين اعتلوا ذاك القصر، مجرم محترف بامتياز، مارس القنص على مدار عام وشهرين وقتل ما لا يقل عن 800 شخص في معبر "كراج الحجز" الواصل بين مناطق الثوار ومناطق النظام في المدينة، بعد استهدافه للمدنيين برشاش من عيار "14.5" وقد ثبت عليه منظار يجعل من إصابته للهدف محققة مائة بالمائة.

"عباس" الذي كان يتحدى أصدقاءه بدقة إصابته واحترافه في القتل، دخل في رهان على "قنص" أحد المدنيين في منتصف القلب مقابل زجاجتين من "البيرة"، فالشاب الذي وضع "عباس" رهانه عليه كان يرتدي قميصاً يحمل شعاراً على جيبه الأيسر، أي أنه فوق القلب مباشرة، وكان الرهان هو أن يقوم عباس بإصابة منتصف الشعار الذي على جيب القميص ويقتل الشاب وبذلك يكسب الرهان، فما كان منه إلا أن استهدف ذلك الشاب وأرداه قتيلاً وبدأ الشماتة برفاقه.

وفي حادثة أخرى، كان عباس إذا تعب من قنص ضحاياه، كان يضبط قناصته على الوضع الآلي، ثم يغفو ليأخذ قسطاً من الراحة؛ لتقوم قناصته بدوره حتى وهو نائم.

عباس الذي أقسم أن يجعل من الحلبيين عبرة للجميع؛ لأنهم تجرأوا على سيده بحسب تعبيره، لم يتوقع يوماً أنه سيكون العبرة ذاتها، وسيصبح جثة لا حراك فيها.

كان عباس يرتقب ضحيته التي سيفتتح بها صباحه، حيث دفعه غروره وكبرياؤه لإظهار جزء من رأسه الذي لا طالما اختبأ وراء "الساتر الرملي" الذي وضعه أمامه خشية استهدافه، دون أن يدرك أن هناك مَن اعتاد على التربص به، نعم إنه قناص الثوار الذي أطلق تلك الرصاصة من بندقيته لتوقف إجراماً استمر لأكثر من عام وتقتل مَن ظنّ نفسه إلهاً ويمكنه أن يقبض روح مَن يشاء مِن الناس.

قُتِلَ عباس وأصبح جثة هامدة؛ ليفرح الناس لموته كما تفرح الأم لولادة طفلها، إلا أن سلسلة المجرمين لم تتوقف بل جاء مكانه مَن هو أشد إجراماً وقتلاً؛ ليبدأ مهمته الأولى تحت شعار "الثأر لعباس".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد