فك ارتباط النصرة عن القاعدة

اليوم، مع قرب إعلان فك ارتباط النصرة عن القاعدة، تضع الدول كـ تركيا وقطر والسعودية الكرة عند ملعب الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة. فجبهة النصرة التي يعدّونها إرهابية، فكت ارتباطها عن القاعدة، وكان قد صرّح أميرها في مقابلة مع أحمد منصور في برنامج "بلا حدود" أنه ضد استهداف الغرب، ويضع أولوية محاربة النظام السوري المجرم على سلم الأولويات.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/09 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/09 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش

ذاع صيت أن جبهة النصرة متجهة نحو "فك ارتباط" عن القاعدة منذ حوالي سنة، وانتظر العالم إعلان الخبر في مقابلة الصحفي في قناة الجزيرة أحمد منصور مع زعيم جبهة النصرة، أبي محمد الجولاني، لكن المقابلة خلت من هذا الإعلان، ثم أعيد تداوله منذ أيام حتى أعلن نائب أمير القاعدة أحمد حسن أبو الخير بتسجيل صوتي، إعطاء جبهة النصرة بقادتها ومجالسها الإذن في إعلان ما يجدونه مناسباً لمصلحة المسلمين في سوريا.

كيف يمكن تفسير الإعلان؟ توقيت صدوره؟ ماذا بعد فك الارتباط؟ أسئلة لا يسعنا إلا التنبه في طريقة الإجابة عليها لصعوبة قراءة استراتيجيات الفِرَق "الراديكالية"، كما هي مصنفة اليوم.

لا شك أن "فك ارتباط" جبهة النصرة عن القاعدة هو مطلب دول إقليمية مناهضة للنظام السوري، ثم مطلب نُخَب سياسية وعلماء دين كُثُر، ومطلب شعبي أيضاً لا يُمكن قياسه بدقة عند المناصرين والمتعاطفين لفكر "السلفية الجهادية".

يأتي مطلب الدول الإقليمية المناهضة للأسد في وقت حَرِج لهن، خاصة بعد إحكام الطوق على حلب ورجحان كفة الجيش السوري النظامي المدعوم جواً من الروس وبراً من الميليشيات الشيعية المتطرفة.

هذه الدول التي إذا سُئِلت من الغرب وخاصة الولايات المتحدة عن الفِرق والجهات التي تُعَوِّل عليها لقيادة سوريا بعد الأسد، فإنها تقف حرجة عند الإجابة عليه. هل ستكون الإجابة الجيش الحر الذي أصبح تمثيله ميدانياً شبه معدوم؟ أم ستختار الفصائل الإسلامية "المعتدلة" التي لا تملك رؤية واضحة جداً لمستقبل سوريا، والتي تعقد اتفاقيات مع جبهة النصرة المُصنفة إرهابية عند الغرب لارتباطها بالقاعدة؟

السؤال نفسه إذا وُجِّه لإيران وروسيا، فالجواب لا شك أنه مقبول أكثر عند الغرب: النظام الحالي مع إصلاحات وقبول دخول المعارضة في نظام ديمقراطي يؤمن تداول السلطة ويحارب الإرهاب.

اليوم، مع قرب إعلان فك ارتباط النصرة عن القاعدة، تضع الدول كـ تركيا وقطر والسعودية الكرة عند ملعب الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة. فجبهة النصرة التي يعدّونها إرهابية، فكت ارتباطها عن القاعدة، وكان قد صرّح أميرها في مقابلة مع أحمد منصور في برنامج "بلا حدود" أنه ضد استهداف الغرب، ويضع أولوية محاربة النظام السوري المجرم على سلم الأولويات. أضف أيضاً أنها في صف الذين يحاربون داعش ويعتبرونها على لسان الجولاني أنهم "خوارج".

أما عن توقيت قُرب صدور الإعلان، فلا شك أن الدول الإقليمية التي بدأت تجتاحها مشاكل بسبب الحروب في المنطقة، كمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا والأزمة المالية في الخليج العربي واستنزاف مالي في اليمن، جعلتهم يسارعون إلى إقناع جبهة النصرة بضرورة فك ارتباطها عن القاعدة. أيضاً لا بد من الإشارة هنا، إلى أن تلك الدول تخشى وصول ممثل الحزب الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، وتريد أن تصل لحل مبدئي مع إدارة أوباما يُرجح كفة مطالبها على حساب مطالب المحور الروسي الإيراني. السعودية بالأخص ستحاول أن تعجل في صفقة مع الغرب بشأن ملفات كثيرة خاصة الموضوع السوري، خشية وصول ترامب اليميني إلى السلطة والخوف من استخدام 28 صفحة سرية كُشِف عنها مؤخراً من التقرير حول هجمات 11 سبتمبر ليضع حلول في سوريا تُزعِج الرياض بالأخص.

ماذا بعد فك الارتباط؟

لا بد هنا أن نستذكر المفاوضات التي جرت سابقاً بين الولايات المتحدة وطالبان بدعم ألماني مصري نرويجي. حينها وافقت واشنطن على ذلك بعد أن اشترطت على طالبان وقف القتال، قطع العلاقات مع القاعدة، قبول الدستور الأفغاني، بما في ذلك المواد المتعلقة بحماية حقوق المرأة؛ بينما اشترطت طالبان فتح مكتب سياسي في قطر.

تذكر هيلاري كلينتون في كتابها "خيارات صعبة"، أن رسالة تلقتها الإدارة الأميركية من الملا عمر، لهجتها ومضمونها بدوا مشجعين، حسب كلينتون؛ إذ ورد فيها أنه قد آن الآوان ليتخذ الجانبان خيارات صعبة في شأن المصالحة والعمل على إنهاء الحرب. وبعد أن دُعِيت الأطراف لعقد الجلسة الافتتاحية، رفعت طالبان علماً معلنةً أنه يمثل "إمارة أفغانستان الإسلامية"، ورفضت التراجع عن موقفها، فقُطِعت العلاقات وأغلق المكتب. تعترف هيلاري كلينتون أن القناة السرية مع طالبان تسديدة بعيدة، وعرضة للفشل أكثر من النجاح، لكنها تستحق التجربة.

اليوم يُفترض أن تشترط واشنطن على جبهة النصرة الشيء نفسه الذي فعلته مع طالبان؛ فهل ستقبل الجبهة احترام دستور سوري جديد يدعو لبناء دولة مدنية ديمقراطية يشترك فيها بقايا حزب البعث؟!

"فك الارتباط" ليست الخطوة الوحيدة التي تنتظرها واشنطن والعواصم الغربية، ولكنها بالتأكيد تضع الكرة في ملعبهم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد