إلى ابني الحنون “4”| كم أتوق لأحاديثنا البسيطة

لطالما وددتُ بُني الغالي أن أناقش معك مواضع بسيطة كهذه، أبسط أو أكثر تعقيداً بقليل أثناء لقاءاتنا في ذاك المكان البائس، كم وددت ذلك! أو أستطيع مثلاً أن أخبرك عن اشتياق أمي الشديد لكما وعن طلباتها المتكررة منّي باصطحابها معي كي تراكما ذات لقاء، لكن ما باليد حيلة وأنت تسيطر على معظم الحديث وتختار بحرية كبيرة عناوينه التي تريد من بين تلك الأمور الكثيرة التي أعتقد أنه يتم تلقينك إياها، لكني بُني الحبيب أواسي نفسي أثناء تلك اللحظات بأني ما زلت أستمع إلى صوتك العذب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/21 الساعة 17:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/21 الساعة 17:37 بتوقيت غرينتش

بُني الحبيب، بداية فصل الربيع الفائت خصصتُ بعضاً من أوقات ما بعد الزوال وأنا أعتني بشجرة عنب أصابها داء العنكبوت الذئبية، ذاك الداء الذي أعتقد أنك ما زلت تذكر عنه شيئاً ما، نعم هو عبارة عن حبوب تكسو الكثير من أوراق شجرة العنب النضرة وتشبه تلك التي تصيب وجه المراهق وجبينه إلى حد بعيد، لا تقلق بُني إن ظهرت على جبينك تلك الحبوب أثناء مراهقتك، فهي ستختفي تلقاء نفسها خلال فترة من عمرك معينة، ولأتمكن أنا من جعل الأوراق تبرأ من تلك الحبوب بُني الحبيب يجب عليّ أن أقوم برش الشجرة بالمصل الذي تتم إذابته في الماء قبل أن تظهر على الأوراق أصلاً، لكنها وقد ظهرت، فليس أمامي سوى رش الأوراق أيضاً، هذه المرة لم أغطِّ أنفي وفمي بتلك الكمادات أثناء الرش ولم أهتم حتى باتجاه الريح.

يا إلهي! لقد طرحت تلك الشجرة عناقيد من عنبٍ رائعٍ جداً هذا الموسم، بدت تلك العناقيد وكأنها تتلألأ عندما تسلل بين حباتها ضوء القمر ذات ليلة، وأحسستُ كما لو أنها جواهر شهية للغاية.
أتعلم أمراً بُني؟
لم أتذوق منها شيئاً كوني لا أملك تلك الشجرة، لكن ذات مساء عليل طُرق باب شقتنا، كانت خلفه المرأة صاحبة العمارة التي نسكن وهي تحمل طبقاً وقد ملأته بالعنب عن آخره، وقد وضَعَت إلى جانب عناقيد العنب بعضاً من حبات التين التي كانت قد نضجت كثيراً وتشققت، لكني لم أستطِع تناول ولو حبة عنب واحدة من هذا الطبق أيضاً، لا تقلق بني، ولك ذلك، فأنا أبتاع العنب أحياناً من السوق.
هل ما زلت تذكر بُني الحبيب عندما كنا نقطف أنا وأنتما عناقيد العنب عن شجرتنا ونذهب معا لغسلها ومن ثم نضعها في الثلاجة حتى تكتسب بعض البرودة، هل تذكر؟
ألا تزال تذكر كيف كنا نأكل حبات العنب الباردة الرائعة تلك وتعلو ضحكاتنا الحبة تلو الحبة؟
جميل، ربما أنك تذكر أيضاً كيف كنا نتحدث في كل مرة نتناول فيها عنبنا البارد الطازج عن الفارق الكبير بين طعمه وطعم ذاك الموجود في السوق، أتذكر تلك الأحاديث؟

هل ما زلتَ تذكر تلك المعلومات التي لطالما أخبرتكما عنها وعن سبب هذا الفرق في الطعم ونحن نتناول حبات العنب، وهي أن عنبنا كان عضوياً تماماً، وقد اكتسب من الأرض كل العناصر اللازمة لتعزيز طعم ونكهة ولون ورائحة وحجم الثمرة، وأنه لم يخضع لتلك الأساليب الزراعية الحديثة التي باتت تُعرف باسم الزراعة الصناعية، وكيف أن هذه الزراعة تقضي على تلك العناصر النادرة في التربة وتُبقي على تلك الوفيرة منها والمسؤولة فقط عن حجم ولون الثمرة، هل تذكر تلك المعلومات؟

لطالما وددتُ بُني الغالي أن أناقش معك مواضع بسيطة كهذه، أبسط أو أكثر تعقيداً بقليل أثناء لقاءاتنا في ذاك المكان البائس، كم وددت ذلك! أو أستطيع مثلاً أن أخبرك عن اشتياق أمي الشديد لكما وعن طلباتها المتكررة منّي باصطحابها معي كي تراكما ذات لقاء، لكن ما باليد حيلة وأنت تسيطر على معظم الحديث وتختار بحرية كبيرة عناوينه التي تريد من بين تلك الأمور الكثيرة التي أعتقد أنه يتم تلقينك إياها، لكني بُني الحبيب أواسي نفسي أثناء تلك اللحظات بأني ما زلت أستمع إلى صوتك العذب.

كم تمنيتُ بُني أن لا أفهم ما تقول، كم تمنيتُ ذلك.

تحياتي لك..

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد