ظل الأفعى.. يوسف زيدان

رسالة لم يرد لها يوسف زيدان أن تكون مشفرة، بل في غاية الوضوح، فمن خلال المشكلات اليومية بين عبده ونواعم تبدأ الحكاية.. فالمرأة (الأنثى) كانت مقدسة - والمقدس ليس مقدساً في ذاته، ولكن المجتمع هو الذي أضفى عليه القداسة - ومهيبة في القرون السابقة والأديان القديمة، ولكن الزمن تبدل والتاريخ تنكر لها لتصبح المرأة أشياء كثيرة غير ذاتها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/21 الساعة 01:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/21 الساعة 01:37 بتوقيت غرينتش

"عزازيل" اللعين، كنت أعرف أنك لن تدعني وشأني.. ولكن لم يكن يخطر ببالي أن تسلمني لأفعى، أو بالأحرى لظل الأفعى!

الظل تتجاذبه الحركة والسكون، فهو يتجاوز الحقيقة، إذ يكون أكبر أو أصغر أو مساوياً للأصل.

الأفعى، لها اسم آخر هو الحية، مشتقة من الحياة. "جلال الأفعى الممزوج بجمالها، يتجلى على أنصع صورة، في النوع الأكثر قداسة عند أهل الأزمنة الأولى…".

ظل الأفعى تركيب مغرٍ يسرع بك للاكتشاف.

* مقتطفات من الرواية:

ما ذكَّر المذكَّر هو الذي أنَّث المؤنث.

غدا سأبدأ إبحاري الطويل، هجرتي إلى ذاتي، لحاقي بماما.

أغلب قرانا بائسة، وأهلونا أغلبهم نيام.

بالحب أنجبتك، وبالحب أنجبت الأنثى العالم.

المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه.

الأمومة يا ابنتي طبيعة، والأبوة ثقافة، الأمومة يقين، والأبوة غلبة الظن، الأمومة أصل في الأنثى، والأبوة فرع مكتسب.

* الإهداء:

(إلى مي.. ابنتي، وجدَتي)

هذا هو الإهداء، إلى الماضي، الحاضر والمستقبل.

* زمن الرواية:

تدور أحداث الرواية في يوم واحد.

في الليلة التي يسفر صباحها عن يوم الثلاثاء التاسع من ذي القعدة 1441 هجرية، الموافق 30 يونيو/حزيران 2020 ميلادية، 1736 القبطية المصرية، 2012 القبطية الإثيوبية، 1399 الشمسية الفارسية، 5780 حسب التأريخ التوراتي البادئ من آدم اليهود.

* شخصيات الرواية:

عبده (الزوج)، نواعم (الزوجة)، الباشا (جد نواعم)، نايل (صديق عبده)، دلال (صديقة نايل)، الأم.

المكان: بيت عبده.. مكان رئيسي.

* الخلفية المعرفية للرواية:

التاريخ – علم النفس – الفلسفة – فقه اللغة وفلسفتها – تاريخ الأديان.

رسالة يوسف زيدان: قداسة الأنثى

تحملك الرواية للوهلة الأولى إلى عالم لشدة قربه منك لا تدركه، عالمك المألوف الذي لم يعد كذلك.

هي خلطة شبه سحرية، يمتزج فيها التصوف بالتأمل الفلسفي والحقائق التاريخية، جولة بين الحضارات الكبرى في تاريخ الإنسانية: الفرعونية – السومرية – البابلية – العصور الوسطى – العصور السحيقة – عصر الإسلام.

رسالة لم يرد لها يوسف زيدان أن تكون مشفرة، بل في غاية الوضوح، فمن خلال المشكلات اليومية بين عبده ونواعم تبدأ الحكاية.. فالمرأة (الأنثى) كانت مقدسة – والمقدس ليس مقدساً في ذاته، ولكن المجتمع هو الذي أضفى عليه القداسة – ومهيبة في القرون السابقة والأديان القديمة، ولكن الزمن تبدل والتاريخ تنكر لها لتصبح المرأة أشياء كثيرة غير ذاتها.

ربما كان ظهور الزراعة حادثاً فارقاً في تاريخ البشرية، فمنذ ذلك الحدث تراجع دور المرأة وأرسى الرجل دعائم المجتمع الذكوري (حيث أصبحت الحرب الوسيلة المفضلة لفض النزاع والسيطرة على العالم).

كانت نواعم تعيش حياة عادية مع زوجها عبده إلى أن بلغت الثلاثين من العمر، وبالضبط عندما بدأت تتلقى الرسائل من أمها – التي أرغمها الجد (الباشا) العسكري السابق على ترك ابنتها له بعد وفاة زوجها – وهكذا تربت نواعم بعيدة عن أمها، لقد قلبت هذه الرسائل كيانها وجعلتها تفكر في حالها – كأنثى – وما آلت إليه، ولم يعد أمامها خيار آخر سوى: التمرد.

محيطاً بلا نهاية..

.. وحدي، أنا

سابقي، وأصير..

أفعى، خفية، عصية

المرأة حبيسة الجدران، والمرأة المعروضة في سوق الإشهارات بأرخص الأثمان وغيرها صور كثيرة للأنثى، ولكن ليست الصورة الحقيقية ولا شك، لعلها مجرد ظلال!

استطاع يوسف زيدان من خلال مكونات منتقاة بعناية: الشعرية – التعدد اللغوي – اختزال الزمان والمكان (عكس ما نشهده في الروايات الأخرى) – الحكي – الحوار الذاتي – بعدد قليل من الشخصيات.. أن يبصرنا بأن معالجة أية قضية من القضايا تستدعي الرجوع إلى جذورها وسيرورتها وصيرورتها عبر التاريخ.

عبده (الرجل) يعيش غربة قاتلة، مع ذاته، مع الآخر ومع المكان، ومن أسباب غربة الرجل دون شك: الوضعية الحالية للمرأة.

في الختام، نؤكد – كما ذهب إلى ذلك الكاتب – أن الأصل هو المؤنث بشهادة التاريخ والأديان والأنثروبولوجيا، وأن صورة المرأة الحالية طارئة ومشوهة.

في ظل الأفعى، تختلط الحقيقة بالأسطورة، والرواية بالمعرفة من خلال الثقافة الموسوعية لصاحبها، والأسلوب المتدفق بالفكر البانورامي، واللغة في بيانها وعجزها؛ لتكون الوجبة دسمة ثرية تخاطب في القارئ العقل والروح والوجدان، وخصوصاً القسم الثاني (الرسائل) الذي يأخذك إلى عبق التاريخ القديم ويعود بك في لمح البصر.

* طريفة: طلبت كنة من حماتها هاتفها لتجري مكالمة مع زوجها، لم تتردد الحماة في إجابة طلب كنتها، بعدما أنهت الكنة المكالمة، اكتشفت أن أمه أعطته اسماً آخر في قائمة الأسماء: زوج الأفعى.

دُمتم طيبين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد