لا تضع البيض كله في سلة واحدة

مقولة تتردد في جوانب كثيرة من حياتنا، وكثيراً ما تشغلنا صورتها المضحكة عن حقيقتها المؤلمة، فلا نستفيق إلا مع وخز (يداك أوكتا وفوك نفخ)!

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/18 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/18 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش

مقولة تتردد في جوانب كثيرة من حياتنا، وكثيراً ما تشغلنا صورتها المضحكة عن حقيقتها المؤلمة، فلا نستفيق إلا مع وخز (يداك أوكتا وفوك نفخ)!

هي مثَل – غربياً كان أو شرقياً – يكثر الاستشهاد به في أورقة الأعمال التجارية؛ فينصحون فيه ألا يتورط المستثمر في جمع ماله كله في مشروع واحد، يذهب بحياته – إن فشل وأفلس – مع مال المشروع؛ لأنه جمع بيضه كله في سلة واحدة وانكسرت، جمع ماله كله في مشروع واحد فانهار وانهار صاحبه بانهياره؛ لأنه كل ماله وحياته.

لكن المثَل أوسع طيفاً واستدلالاً من هذا؛ فهذا الأب المسكين الذي أهملَ أبناءَه غفر الله له لصالح ولد واحد، اختلّ ميزانه الدنيوي فوق العاطفي، وسيختلّ توازن كتفَيه يوم القيامة.

أهملَ باقي أولاده وجمعَ أمله في ولد واحد، يوبّخ إخوته ويعيّرهم به، يأكل من مصاريف زواج هذا ليكمل ذاك دراسته، ومن حصة هذا في الأرض ليوسع في حصة ذاك، حتى إذا استوت البيض كلها في سلة ذاك الولد بات يدعو في قيامه وقعوده ألا يُفجع ببرّه إن زوّجه أو شبّ عن الطوق؛ لينهار المسكين مع أول إعراض أو مخالفة لذاك الفتى المدلل الذي جمع الأب فيه أمله كله دون إخوته، فكيف إن قضى قبل أن يفرح الأب ببذره فيه مالاً وولداً؟!

ثم كم نجمع من البيض مع أصحابنا؛ فبالأمس كنتَ تحارب الدنيا بأجمعها تصرخ بهم أنه خير الأصحاب، فتخاصم من كنت معهم تركض في مربع الصبا، وتنام معهم في السرير ذاته أيام البراءة؛ لأنهم ليسوا مثل ذاك الصاحب الأشمّ، ولا حاجة لك بهم ما دام لك صاحب وحبيب، بل قد تستكبر على أبويك بصحبته.

فإن أبرقت وأرعدت ونزلت بك السماء منه بحجارة من سجّيل الغدر والخيانة، فتضرب كفّاً بكفٍّ، وقد لا تجد من يمسح دموع ألم الغدر ووجع الخيانة إلا مَن أدرت لهم ظهرك يوماً، فجاؤوا يمسحون عنك البيض الذي تكسّر فوق جبينك عندما حملته في سلة واحدة!

تقوم الجمعية أو الشركة وتزدهر، تدخل في مبناها الضخم وتتعدد طوابقه والغرف فيه واللوحات على الأبواب، لكن الممرات كلها تأخذك في الغالب نحو موظف واحد، هو المدير أو الحجي أو واحد تنهض على كتفَيه الجمعية أو المؤسسة. لكن الحظ العاثر للجمعية أو الشركة تحط على رأسها ثقيلاً إن مشى هذا الموظف فتمشي معه أكثرها، أو تنشقّ نصفَين من محبّيه ومُبغضِيه، لتتفقد الجمعية بعد حينٍ فتراها أثراً بعد عينٍ، وقد تكسرت بيضها كله بخروج الموظف الذي جمعوه لها كلها في سلته!

ولنترفّق بطالب العلم؛ فلا تجمع أيها المسدَّد قلبك وعقلك وترمي بهما بين يدي شيخ تأخذ كل آرائه ما وافق الأمة وما تفرّد به دونها، وتغلق عقلك عن قبول أية مسألة عن سواه، فتكون نسخة كربونية عنه، وتحرم نفسك الكثير الطيب، فقف في تحليقك بحثاً عن الحق عند كل الورود (الطيبة) وخذ منها ما يطيب؛ ليخرج عسلك متميزاً يُستشفى به لكثير من الأمراض. فإن استويت متعلّماً تطرق باب الحياة العملية فاحذر ثم احذر أن تجمع البيض كله في سلة واحدة؛ فلا تُحسن إلا أمراً واحداً؛ لتموت جوعاً وكمداً إن لم تجد فرصة مناسبة لتخصصك الدقيق جداً؛ فتذكرني بأكاديميين بؤساء كنا نسألهم عن بعض إعراب في سنوات الجامعة فينطق – وواسوأتاه لما يقول- بفجاجة: تخصصي أدب ونقد فلو تسألون أستاذ النحو! جمع بيضه كله في سلة تخصص ضيق فتكسرت على رأسه استصغاراً من الطلاب واستغراباً؛ لأنه كبرت كلمة يقولها متخصص يحجز مقعداً في قسم اللغة العربية وآدابها.

ومثل ذلك مهندس تتفتح أمامه أبواب الشركات والجمعيات، وآخر تُغلق دونه حيثما اتجه؛ إنه بعد توفيق الله تعدُّد المهارات وتنوّع السلل التي يحملها فيها البيض!

قد تحمل ما تحمل من البيض في سلة واحدة، وتكون كأحسن ما تكون السلال، وتكون أنت من أحسن الحاملين العاملين، ولكن!
هذا والسماء صافية، والطريق لاحب مستقيم لا اعوجاج فيه ولا مزاحمة؛ فماذا عساك تفعل وماذا عساه يكون إن عبست السماء وتقضّب منها الجبين فعصفت بك المصاعب واضطرب البلد وهاجت وماجت الناس، فأفلس الأغنياء وتشردت العوائل بدداً بدداً في البلدان! هل تنتظر حتى يصحو الجو وتشرق الشمس من جديد لتجد العمل الذي يناسب تخصصك؟! هل ستنتظر أن يخلو لك الطريق من المارة لتخرج بالسلة التي جمعت فيها البيض كله؟!

إن الحياة إذا تغيّرت عليك فلا تنتظر اعتدالها، واركب ظهرها كيفما كنت وكانت، حتى تصل إلى مرادك؛ ولربّ أزمة تحمل لك في طياتها مخرجاً وفرجاً، ولربّ ضيق يفتح لك باباً تطلّ منه على أنوار لم يسمح لك عيشك لوناً واحداً أن تراها، ولربّ بيض حملته أضاع منك حمل غيره أكبر وأنفع وأنت تحمل سلة واحدة لا تلوي على أحد ولا تفكر بشيء آخر تحمله.

فاسمع مني ولا تحمل البيض كله في سلة واحدة؛ فإنه إن تكسّر تكسّرت معه وتدمّرت مع دماره حياتك العلمية أو الاستثمارية أو الاجتماعية، وتكون ممن قيل فيه: "يداك أوكتا وفوك نفخ"!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد