في منتصف شهر مايو/أيار المقبل سيقف العراقيون أمام صناديق الانتخاب لاختيار أعضاء البرلمان، وقبل أن يدلوا بأصواتهم عليهم أن يطرحوا أسئلة محددة على أنفسهم: ما الذي سيتحقق بعد الانتخاب؟
هل ستصل أصوات برلمانية جديدة تعمل على أن تنصف المحرومين والعاطلين عن العمل؟ هل سيكون البرلمان ميداناً تتبارى فيه كفاءات علمية من أجل طرح مشاريع وخطط تدفع بالزراعة والصناعة والتعليم خطوة نحو الأمام؟
هل سيجد المواطن نفسه أمام برلمان يتصارع فيه النواب على تقديم الخدمات له بدل تبادل اللكمات بالأيدي والأرجل فيما بينهم لأجل تمرير مشاريع لا تخدم سوى مصالحهم الذاتية؟
هل سيشهدون سلسلة استجوابات لوزراء ومسؤولين حكوميين عليهم شبهات فساد، من غير أن يكون التسقيط السياسي والطائفي وكسب النقاط الهدف من الاستجوابات؟
هل سيتحلى أعضاء البرلمان بالشجاعة الكافية وينجحون في إلغاء ما سبق أن أصدره نواب الدورات السابقة من قوانين بموجبها تضاعفت منافعهم وامتيازاتهم الشخصية؟
هل سيعمل البرلمانيون على تفعيل قانون من أين لك هذا لاستعادة مليارات الدولارات سرقها مسؤولون حكوميون من المال العام؟
هل سيرغم البرلمان القادم الحكومة العراقية على تهيئة بيئة ملائمة للعائلة العراقية تتوافر فيها خدمات صحية وتعليمية ومواصلات ومؤسسات ثقافية؟
إزاء هذه الحزمة الطويلة من الأسئلة التي تتضمن ما يفتقر إليه المواطن من احتياجات وحقوق أهدرها أعضاء مجلس النواب العراقي خلال دوراته السابقة، هل سيكتفي المواطن بأن يدلي بصوته تاركاً للقدر قضية تغيير الأوضاع أم سيضع نصب عينيه حقوقه المسلوبة ساعة يقف أمام ورقة الانتخاب؟
أنا شخصياً لديّ قناعة عميقة بأن غالبية العراقيين قد وصلوا مرحلة اليأس من إمكانية التغيير مع أنهم يتحملون الجزء الأكبر مما وصلت إليه أوضاعهم، وإلا ما معنى أن تخرج أعداد كبيرة منهم وهي تستقبل بالأهازيج والدبكات شخصيات سياسية تتحمل مسؤولية الخراب الذي وصلت إليه البلاد، وما زالت تخدعهم بأحلام ومشاريع كلها من نسج الخيال.
على العراقيين أن يستيقظوا من حالة الغيبوبة القبليّة والمذهبية التي قادت حياتهم من سيئ إلى أسوأ وهم قانعون صامتون كما لو أنهم مخدّرون، عليهم أن يخرجوا من مرحلة العبودية للماضي، وأن يغلقوا الباب بوجهه بعد أن أفقدتهم هذه العبودية القدرة على النقد والتمييز ما بين السماء والأرض.
فالتاريخ لن يبني مدرسة تليق بأطفالهم بدل مدارس مبنية من الطين، ولن يبني مستشفيات تتوافر فيها أجهزة طبية حديثة، ولن يوفر الكهرباء ولا الماء الصالح للشرب، ولن يدعم الفلاح بالبذور المحسّنة والسماد الكيماوي ومرشات الماء حتى يزيد إنتاجه.
التاريخ بشخصياته وأحداثه وغزوات فرسانه لن يتمكن من أن يقدم للعراقيين أية خدمة تخفف عنهم أعباء الحياة بعد أن أمست ثقيلة عليهم وعلى أبنائهم، ولن يمنحهم الأمل الذي يحتاجونه لمواجهة صعوبات الحياة، بل سيدفعهم إلى مزيد من الكراهية والعنف والاقتتال فيما بينهم، وسيرمي بهم إلى مخيمات النزوح والضياع في بلدان اللجوء، وسيحوّل فلذات أكبادهم إلى مجرد أرقام في قائمة القتلى بعد أن يخدعهم دعاة استدعاء التاريخ ويوهمونهم بفكرة الشهادة والحروب المقدسة، وأن أرواح أبنائهم قد صعدت إلى جنات النعيم بين أحضان حور العين.
التاريخ سيُبقي العراقيين تحت رحمة لصوص الدين من رجال الدين، فأمثال هؤلاء يعرفون جيداً كيف يسوقون بسطاء الناس إلى محرقة الموت بذريعة الدفاع عن الدين.
ألم يحِن الوقت بعد هذا البؤس المخيم على طول البلاد وعرضها أن يخرج العراقيون من كهف التاريخ إلى فضاء المستقبل؟
الخروج من هذه الإشكالية ليس بالأمر الهيّن وليس بالأمر الصعب، فمجرد الإقرار بالمعضلة والاعتراف بها، ستكون خطوة أولى للخروج منها.
لم يعد مقبولاً ولا منطقياً أن يستمر هذا الجدل العقيم والذي يصل في أغلب الأحيان إلى مرحلة تبادل الشتائم كلما مرت ذكرى واقعة من الماضي القريب أو البعيد، فيتسمَّم الهواء والماء والتراب، ويصبح كل شيء في هذه الحياة مغموساً برائحة الخوف والكراهية والثأر، حتى إنه يلهيهم عن رؤية واقعهم المزري، وإذا ما فكر العراقيون بمستقبل أبنائهم وقرروا طيّ صفحة التاريخ ونفض غباره المتكدس على عقولهم، والبدء في محاسبة المسؤولين عن بؤس حاضرهم، وفي مقدمتهم الساسة والنواب، آنذاك سيعرفون معنى الحرية الإنسانية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.