الضغوط

ولدينا مثال آخر صارخ على الصمود ومشابه للواقع الذي نحن فيه الآن؛ وهو قصة أصحاب الكهف، أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وثبتوا في عصر مظلم مليء بالظلم والمنكرات، لدرجة أنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً؛ لقلة عددهم وضعف قوتهم، فعددهم أقل من العشرة في مواجهة مجتمع كامل مليء بالباطل والبطش والظلم. مجتمع سكت فيه أهل الحق عن نصرته.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/19 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/19 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش

إن الصمود غير مرتبط بالنتائج إطلاقاً؛ بل إن الصمود في حد ذاته هو النجاح حتى لو قُضي على أصحاب الفكرة عن بكرة أبيهم كما حدث مع أصحاب الأخدود، فهذا هو النجاح في حد ذاته، وهو الزاد والوقود لأيام أخرى قادمة سوف تحمل الفكرة وتذود عنها وتموت من أجلها.

ولدينا مثال آخر صارخ على الصمود ومشابه للواقع الذي نحن فيه الآن؛ وهو قصة أصحاب الكهف، أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وثبتوا في عصر مظلم مليء بالظلم والمنكرات، لدرجة أنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً؛ لقلة عددهم وضعف قوتهم، فعددهم أقل من العشرة في مواجهة مجتمع كامل مليء بالباطل والبطش والظلم. مجتمع سكت فيه أهل الحق عن نصرته.

فلم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً إﻻ أن يعتزلوا المجتمع في كهف بعيد، وقد يرى البعض أن هذا فعل سلبي، ولكنه صمود على الفكرة وعدم اﻻنسياق وراء الباطل حتى لو ملأ هذا الباطل أرجاء الكون.

ولقد ثمَّن لهم الله هذا الثبات وأجزل لهم العطاء عليه، فالله -سبحانه وتعالى- ﻻ يحاسب عباده بالنتائج، ولكنه يحاسبهم على المواقف، بصرف النظر عن النتائج، التي هي بيد الله يصرّفها كيف يشاء لحكمة، علمناها أو لم نعلمها.

ومن جزيل إنعام الله على هؤﻻء الفتية نظير موقفهم الصامد على فكرتهم والحق الذي آمنوا به، أن فتح لهم نافذة إلى المستقبل بعد ثلاثمائة وتسع سنين، يرون فيها نتيجة موقفهم، البسيط في مظهره، الكبير في معناه، وكيف أنه غيَّر المجتمع من مجتمع انتشر فيه الباطل والظلمات إلى النقيض تماماً، مجتمع انتشر فيه الخير والنور.

إن موقفهم هذا كان الجذوة التي أوقد بها الله الإيمان ورياح التغيير في نفوس الأجيال من بعدهم والتي نجحت في تغيير المجتمع، وظلَّت تذكّرهم وتنسب الفضل في هذا التغيير إليهم، بدليل أنه لما تم اكتشاف مكانهم احتفوا بهم وفكَّروا أن يبنوا عليهم مسجداً، لمجرد هذا الموقف الذي اتخذوه والذي يراه البعض سلبياً.

وبدليل أن الله قد خلَّد ذكرهم إلى أبد الآبدين، وجعلهم مثاﻻً يحتذى، وأن الله أرسل من خلالهم رسالة إلى العالمين بأن 309 سنوات في عمر الزمان هي كيوم أو بعض يوم، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

فيجب ألا نيأس أبداً، كما يحاول البعض أن يدفعنا بقوله: "أنتم لم تقرأوا الواقع جيداً، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء".. نقول له إن عقارب الساعة ليست بيدك وﻻ بيد أحد، وإن المطلوب منا هو الصمود على الفكرة والحق وفقط، أما النتائج فعلى الله؛ يأتي بالنصر وقتما شاء، وكيفما شاء، فلا نعلم حكمة الله من كل ذلك إﻻ بعد أن تظهر لنا مستقبلاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد