لا تأخذوا المكاسب ولا المناصب حتى يبقى لنا الوطن

يقف الديناصور السياسي أمام الميكروفون وقد تهدج صوته حماساً، وحوله الأتباع والمريدون والباحثون عن الأمل، يرفع صوته موزعاً الوعود والآمال على الجميع: سأمنحهم مستقبلاً أفضل وحياة أحسن، وسأجلب لكم السعد والهناء.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/09 الساعة 01:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/09 الساعة 01:25 بتوقيت غرينتش

يقف الديناصور السياسي أمام الميكروفون وقد تهدج صوته حماساً، وحوله الأتباع والمريدون والباحثون عن الأمل، يرفع صوته موزعاً الوعود والآمال على الجميع: سأمنحهم مستقبلاً أفضل وحياة أحسن، وسأجلب لكم السعد والهناء.

ينادي اليوم، بعدما قضى عقوداً متنقلاً بين المناصب والمواقع، بالإصلاح والتغيير، ويتعهد بمحاربة الظلم والجهل والتمييز بين أبناء الوطن الواحد.

تسمع كلامه وتتذكر أن هذا الديناصور استفاد من أراضي الدولة بأرخص الأثمان، ووظف أبناءه في مؤسسات كبرى، ومرر صفقات للمقربين في كل المناصب التي شغلها خلال تاريخه السياسي، وصار بعدما بدأ حياته مناضلاً من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة من سكان الأحياء الراقية، ومن ركاب السيارات الفارهة، ينظر إلى فقراء الوطن ومعدميه نظرة شزر وقرف، لكن كل هذا لا يهم ما دام في مصلحة الوطن.

في مسرح آخر، يقف ديناصور بلون وحجم مختلفين، يعيد ما قاله منذ سنين، يحشد الأصوات بالأكاذيب، شعاره الخالد: اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، باسم مصلحة الوطن يطلب الوزارة أو السفارة أو البرلمان، لا يهم، ففي أي منها سيكون موجوداً ومهموماً فقط من أجل مصلحة الوطن.

إنها ديناصورات السياسة التي تكاثرت كالفطر، تغلغلت في الوطن كالسرطان الذي لم يعد ينفع معه علاج، يتبدلون كالحرباء، في كل مرحلة يظهرون في موقع جديد بوجه جديد وكلام جديد، لا تهم الفظائع التي ارتكبوها والفضائح التي اقترفوها، المهم أن يجدوا لهم مكاناً في اللعبة، وينهبوا قدر ما استطاعوا من خيرات هذا الوطن.

إنها النخب الفاسدة التي تقتلنا يأساً، النخب التي تمارس السياسة فقط لحماية مصالحها ومشاريعها الاقتصادية، ويكون وقودها في هذا الطريق مصلحة الوطن والمواطنين.
النخب الفاسدة التي تقيس مواقفها واصطفافاتها بمقاييس الربح والخسارة والمجد السياسي والعائد المادي.

أتساءل: هل ينام هؤلاء؟ ألا ينبعث في سكون الليل ضجيج من داخلهم يمنع عنهم الراحة والنوم؟ ألا يحرمهم النفاق الذي يعيشون فيه لذة الأكل ومتعة الحياة؟ هل يجدون الفرصة للحديث مع ضمائرهم؟ وإن وجدوا ماذا تقول لهم؟ وبماذا يسكتونها؟

لقد كان لطفي بوشناق مخطئاً حين قال في أغنيته الشهيرة: "خذوا المكاسب والمناصب وخلوا لنا الوطن"، أي وطن سيبقى يا بوشناق إن كان في المناصب محبو المكاسب؟ ماذا سيتركون لنا غير الفقر واليأس والبطالة والعبودية والجهل؟

ما هو الوطن إن لم يكن كرامة وحرية؟ وأي معنى للوطن ونحن عبيد فيه، يسوس أمرنا الخونة والطماعون وذوو العاهات العقلية وأصحاب النظر الضعيف؟ وأي وطن سيبقى لنا إن كانت تحكمه نخب فاسدة تقتل فينا الحياة، تخنقنا كلما تنفسنا حرية، تدفننا كلما رفعنا رأسنا اعتزازاً وكرامة؟!

ما الوطن؟ أليس هو الهواء الذي نستنشقه، والماء الذي نشربه، فإذا لوث هذا الهواء مجانين السياسة، وإذا اختلط هذا الماء بذنوب لصوص الوطن، فأي وطن سيبقى لنا؟!

ما الوطن؟ أليس هو الرقص على إيقاع أغانينا الشعبية وضحكاتنا في الأعياد، فإن مرغوا كرامتنا في التراب وأهانونا وداسوا علينا، فأي رقص سيحلو لنا وأي ضحكات ستتعالى؟ وأي وطن سيبقى؟!

ما الوطن؟ أليس روائح الخبز الطازج ودعاء الأمهات وعرق الآباء، فإن امتصوا دماءنا وسرقوا أحلامنا، فأي طعم سيكون لخبزنا؟ ومن سيدعو لنا ويعرق من أجلنا؟ وهل سيبقى لنا وطن؟!

لا تأخذوا المكاسب ولا المناصب حتى يبقى لنا الوطن.
انقرضوا أنتم وأنانيتكم وظلمكم وجشعكم وخياناتكم، حتى يبقى لنا الوطن.
دعوا الشمس تشرق، والهواء ينظف، والماء يجري وضحكاتنا تعلو.
دعونا نعيش كما نستحق بكرامة وحرية وعدالة.
دعوا المناصب للأجدر بها، والمكاسب لكل أبناء الوطن.
ارحلوا عنا، اتركوا المناصب والمكاسب، وخلوا لنا الوطن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد