كما تقتضي متطلبات العصر أن تكون مجتمعاتنا أكثر إلماماً بالتطورات التي تطوّقها، فإن التربية بحد ذاتها تحتاج إلى توسعة مفهومها ليتجاوز المفهوم التقليدي إلى المفاهيم الجديدة التي لا بد أن يكون لها حيز في أنماط التربية في المجتمع العربي.
لا تتحدد خطورة تأثير الاعلام في الشعوب بما يضخه الإعلام لعقول المتلقين فقط؛ لأن هذا التطور التكنولوجي والإعلامي بات لا يحصر مدى التأثير بنوعية المضمون أو الوسيلة، فهي متوافرة في كل وقت، لكن العمدة أيضاً على مستوى وعي الفرد الذي يحدد تأثره بما يتعرض له.
التربية الإعلامية التي تعني بمفهوم بسيط أن يكون الفرد قادراً على التفكير بما يتلقى من مضامين بحيث لا يكون متلقياً سلبياً يأخذ دون أن يفكر، وبذلك يمكن القول إن التربية الإعلامية حاجة ملحة لحماية الأفراد، وبالتالي المجتمعات من السموم التي يضخها الإعلام باعتباره وسيلة قوية لتسلل الغزو الثقافي والتأثير على توجهات الناس.
خلال البضع سنوات التي مرت على موجة التغييرات بالمنطقة العربية كان الإعلام العربي يتأرجح خلالها ما بين ضعف المهنية وسياسات تحريرية موجهة بعيداً عن الموضوعية، وفي مقابل ذلك يوجد المتلقي العربي الذي يتصف بالسلبية؛ لعدم امتلاكه ثقافة التحليل والتحري مما يضخ عبر التلفزيون أو الشبكة؛ ليتمكن من التعامل مع ما يتعرض له، بحيث يمتلك مهارات التفكير العالية التي لا تجعله يأخذ الأخبار أو المعلومات مسلمات دون التفكير بها.
وفي فلسطين توجد هذه المعضلة كباقي البلاد العربية، والفلسطينيون موضوعون أمام تحديات يفرضها إعلام الاحتلال والإعلام المحلي في آن، فالإعلام الفلسطيني لم يصل لليوم إلى القدرة ولا المهنية الكافية لجعله يوازي الإعلام الإسرائيلي، والفلسطينيون يتعرضون باستمرار لإشكاليات النشر كأخذ أخبار من الإعلام الإسرائيلي دون تحرٍّ، والإشاعات التي تعززها وسائل الإعلام الاجتماعي من خلال صحافة المواطن "المتسرعة" عدا عن تحوّل الصحفيين أنقسهم إلى مجرد مدونين وناقلين، وهذا شكّل أزمة مصداقية برزت بشكل كبير خلال الأزمات والحرب الأخيرة على غزة 2014 كانت مثالاً لذلك، وبرزت حاجتنا أكثر لثقافة التربية الإعلامية كجانب أساسي من ثقافة المواطن الفلسطيني حتى لا يبقى في إطار المستهلك السلبي.
التربية التكنولوجية التي تدرس في المنهاج الفلسطيني وجدت كمتطلب للتطور الرقمي، وإن لم تُحَدَّث بعد إلى المستوى المطلوب، ولكنها ضرورية بما تضمنه من أساسيات، والتربية الإعلامية تفرض أهميتها كجزء مهم جداً يجب أن يكون ضمن المناهج الدراسية لبناء جيل يمتلك المهارة في التفكير بالمضمون الإعلامي.
ورغم ضحالة ثقافة التربية الإعلامية في المجتمع العربي فإن إمكانية نشرها متاحة ولو تدريجياً من خلال تأهيل كوادر متخصصة في المؤسسات، وإن الصحفيين هم أول من يجب استهدافهم، والمناهج الدراسية يجب أن تضمن مقررات بهذا الخصوص، فالتحكم والسيطرة في المضامين أمر غير ممكن؛ لذلك فمن الأجدر أن يتم العمل على رفع قدرة المواطن العربي على التعاطي مع ما يتعرض له من مضامين.
نحتاج إلى جهود جدية مدروسة لنشر ثقافة التربية الإعلامية في البلاد العربية، ويمكن العمل عليها بالنظر إلى التجارب القليلة التي بدأت في هذا الاتجاه كتجربة أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية في بيروت التي تمثل انطلاقة لنشر ثقافة التربية الإعلامية من خلال تأهيل وتدريب الملتحقين فيها من مختلف الدول العربية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.