هل جورج وسوف أهم من عبد الحليم حافظ؟ هذا السؤال صادم وقد يجعلك تكوِّن فكرة سيئة عن هذه التدوينة من بدايتها، لكنه سؤال "بريء"، ومن خلاله أريد الوصول لمشكلة يعانيها الوسط الفني في سوريا، هي مشكلة سابقة عن عام التحول في 2011 وتعود لعقود؛ بل ربما لثقافة مجتمع بأكمله، هذه المشكلة تتمثل بصناعة النجم.
في مرة، شاركت أصدقائي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" منشوراً، كتبت من خلاله أن لدي أسباباً لأعتبر جورج وسوف أهم من عبد الحليم حافظ، لكن ضعف الإمكانات التسويقية والدعم في بلده سوريا لم يكن ليجعله أيقونة فنية خالدة كما تفعل ماكينة الإعلام والتسويق في مصر مع عبد الحليم وغيره.
في هذا المنشور، تلقيت عدداً من الشتائم لا بأس به وآراء لأشخاص ظنوا أني أهلوس أو لا أعرف ما أقول أو أن ذوقي الفني متدنٍ. وأنا في الواقع لم أكن أقصد سوى فكرة أنه لو كان هناك صناعة نجوم في سوريا لكان الـ"وسوف" رمزاً أقوى وأكثر أهمية من عبد الحليم حافظ، وقد وافقني في هذا الرأي البعض طبعاً.
في هذه الأيام، يعود هذا المنشور إلى ذاكرتي، وتحديداً عندما قرأت قائمة مجلة "فوربس" الأميركية لأشهر 100 شخصية عربية، والتي لم تحوِ سوى 7 شخصيات سورية، معظمهم في الربع الأخير من القائمة، ولم يأت في المقدمة سوى اسمين؛ هما: أصالة نصري وجورج وسوف، في المركزين الـ7 والـ10 على الترتيب، في حين كانت المقدمة من نصيب لبنان ومصر عملاقَي التسويق وصناعة النجوم في العالم العربي.
في الحقيقة، إن السؤال عن سبب عدم وجود صناعة نجوم في سوريا غير واقعيٍّ، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الدولة الأمنية التي تحكم البلاد والتي وصل فيها القمع لمنع لمعان أي نجم سوى نجم "السيد الرئيس"، وذلك عن طريق قتل واعتقال أسماء كان يمكن أن يكون لها أثر كبير في مجالاتها؛ ما جعل أساساً الفنانَ السوريَّ يتجه للبنان ومصر؛ كي ينجح ويُثبت نفسه ويصل إلى الشهرة عربياً.
وفي هذه الأثناء، بدأ الفن السوري يتراجع في الكثير من المجالات؛ أهمها الغناء مع تهميش كامل للمسرح والسينما. لكن السؤال الذي يعيد تعقيد الأمر أن أدوات الإعلام والتسويق "الأمني" في سوريا لم تستطع حتى أن تصنع من "السيد الرئيس" -هنا أقصد حافظ الأسد- نجماً عربياً كما فعلت نظيرتها المصرية مع الرئيس جمال عبد الناصر.
الأسباب إذاً ليست في مهارة وحرفية المصريين واللبنانيين فقط؛ بل للسوريين نصيب من الفشل في عدم التمكن من بناء منظومة إعلامية تسويقية ناجحة ولو أمنياً، فكانت الدعاية النظامية بالكاد تقنع المواطن داخل سوريا، كان يعرف الجميع أن لا نجومية ولا شهرة إلا تلك التي تمر من مكاتب المخابرات ورؤساء الفروع والمسؤولين الكبار.
ورغم كون النظام في مصر كان أمنياً أيضاً، وأن لبنان أُنهك سنواتٍ بالحروب والنزاعات الطائفية، فإنه لم يعش أي من البلدين الأجواء التي عاشتها سوريا في 50 عاماً من حكم حزب البعض.
وسؤال لماذا لم يستطع جورج وسوف رغم كونه "مؤيداً للأسد" أن يكون على الأقل بالقيمة ذاتها التي كان عليها عبد الحليم حافظ وهو يملك بالفعل كل ما يؤهله لذلك؟ لا يمكن الإجابة عنه دون معرفة الإجابة عن السؤال التالي: لماذا ينحدر المغني الكوري Park Jae-Sang، صاحب الأغنية الشهيرة GANGNAM STYLE، من كوريا الجنوبية لا من كوريا الشمالية؟!
إن دمشق كانت -ولا تزال- هي النسخة العربية من بيونغ يانغ، وهذا لا يعني بالضرورة أن بيروت والقاهرة تشبهان سيول.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.