الأمثال الشعبية التي يتعامل معها في الغالب على أنها لب وعصارة تجارب الأولين، ليست حقائق مسلمة وقواعد بقدر ما هي توثيق وانعكاس لأفكار ومفاهيم معينة سادت في فترة ما.
ينصحوننا غالبا بالاستماع إلى حكم الأولين وأقوالهم وعبرهم، وهي نصيحة ثمينة في مواقف وحالات كثيرة، لكن ليس دائما. عن نفسي، كانت لدي على الدوام علاقة متوترة مع الموروث الثقافي والشعبي، لأنه برغم كل العبرة التي يحملها في طياته نتيجة تراكم خبرة الأولين من أجدادنا ومن سبقونا إلا أنه في الوقت نفسه قيد ثقيل وسجن لأفكارنا.
الأمثال الشعبية مثلا، التي يتعامل معها في الغالب على أنها لب وعصارة تجارب الأولين، ليست حقائق مسلمة وقواعد بقدر ما هي توثيق وانعكاس لأفكار ومفاهيم معينة سادت في فترة ما.
من الأمثلة المتداولة في ثقافتنا العربية والتي أعتبرها خطرا حقيقيا يهدد الأسر: "اذبح لها القطة" أو "كل غربال وله شدة"، و"راجلك على ما تعودينه" وكلها أمثال تدعو الأزواج إلى "الشد" على بعضهم البعض في فترة ما بعد الزواج، وإبراز الجانب الخشن منهم لوقف تجاسر ودلع وتواكل طرف قبل أن يجد طريقه إلى الطرف الآخر.
عرفت وشاهدت حالات يقوم فيها الشباب، برغم صغر سنهم وانتمائهم إلى ثقافة تختلف كليا عن ثقافة الأجداد، بتنفيذ هذا المثل بحذافيره، كأنه قرآن منزل، الأمر الذي يحول الفترة الأولى من الزواج إلى فترة مشقة وعناء وعناد، بدل أن تكون فترة متعة وحب ووئام.
هذا التحفز الذي يدخل به الأزواج معترك حياتهم، مرده الاعتقاد بأن الحياة الزوجية هي حياة ترويض، لا تستقيم إذا لم ينجح أحد الطرفين في ترويض الآخر وإخضاعه لإرادته وسيطرته وتسييره، وفي تونس نقول "ما يتعاشروا اثنين إلا إذا وقع الدرك (الظلم) على أحدهما". تتلقى الزوجة نصائح لا حصر لها في كيفية "إدارة" الزوج ويتلقى الرجل نصائح مماثلة، فضلا عما يتوارثانه من حكم وأمثال وممارسات وسلوكيات تصب جميعها في هذا الاتجاه.
بعض هذه الأمثال يحمل دلالة وحمولة فكرية عنيفة وصادمة، مثل ذبح القطة المقصود به بث الرعب والخوف في قلب المرأة منذ بداية العلاقة لجعلها مطيعة مسالمة، رغم أن فكرة الخوف تتعارض مع فكرة المحبة، فقد أثبت علم النفس أن الخوف والحب لا يجتمعان، وليعرف الذي يفلح في إخافة طرف العلاقة الآخر أنه فقد قلبه.
الترويض مرده وجود سلطتين في مربع واحد، يشبه مربع الحياة المتوحشة، حيث تحيا الحيوانات وتنازع من أجل البقاء، وهو بقاء "مفاهيمي" في حالة الأزواج، أي نزاع من أجل الحفاظ على المفاهيم الثابتة التي تمنح كل طرف خاصياته وامتيازاته عن الآخر.
ما يجب على الأزواج الانتباه له في رأيي هو أن الحياة المشتركة بين زوجين، مثلها مثل أي حياة داخل "المجموعة" تستوجب التخلي عن "النزعة الفردانية" التي تحمل داخلها نزعة عدوانية بالضرورة. الحياة داخل المجموعة تعني أن تقطع مخالبك، وأسنانك وتتخلى عن تحفزك الغريزي للدفاع والقتال وتتحول إلى شخص وديع مسالم، لا يتوقع الأذى في كل لحظة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إذا نجح أحد الطرفين في تطويع وترويض الطرف الآخر، فهذه أول خطوة نحو فقدانه، لأن الرغبة في التحرر والانتفاض والانتقام ستظل تتصاعد داخله إلى أن تأخذ أشكالا وأنماطا سلوكية، كأن ينعزل أو يصمت أو يكون عالما وحياة خفية بديلة أو ينسحب تدريجيا من الحياة المشتركة متخليا عن دوره فيها ومسؤولياته مما ينعكس سلبا على الأسرة ككل والأبناء.
السؤال الذي يجب أن يجيب عليه الأزواج بذكاء: هل تريد أن تربح موقفا، أم حياة؟ بإمكانك أن تربح موقفا وتحسم نتائج معركة يومية لصالحك، لكن ماذا عن الحياة؟
– تم نشر هذه التدوينة في موقع صحيفة العرب
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.