“كلٌّ سيُسأل عن عمره فيما أفناه: سرُّ الحياةِ عطاء”

ها هي الآن قد تجاوزت خطَّ الخطرِ وشَرَعَتْ في إعادةِ بناءِ ذاتِها، مستقبلِها، والعالم من حولها، تتعلَّم وتُعلِّم، تُساعد وتُصلح، تهبُ وتُعطي على قدر استطاعتها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/10 الساعة 02:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/10 الساعة 02:10 بتوقيت غرينتش

…لم تكن تعتقد يوماً أنَّها سترحلُ إكراهاً لا رغبة، إنَّها الآن في أسوأ حالاتِها كما تعتقد.

لم يكن يشغلُ تفكيرَها سوى الأرض التي سترحل عنها، أهلها أصدقاؤها منزلها، عملها أوراقها همومها وربَّما ذكرياتها هناك.. لم تعتد مواجهة ظروفاً حالكةً من قبل.

ما كانت تتساءلُ عنه فعلاً أنَّه لم يحدث أنِ اشترى أحدُهم تذكرة سفرٍ رغماً عنه، أغلب تذاكر السَّفر تُباع ولهفةُ مُشتريها تضربُ أرقامَها القياسيَّة.

سلَّمتْ أمرَها لخالِقها واعتقدت أنَّ ما في وسعِها فعلُه هو الرَّضاء بقضائها فحسب..
وصلَتْ إلى حيثُ ما وصلَتْ ومرَّتِ الأيَّام.

كانَت كلَّما خلت وحدها راودها شعورٌ بالنَّدمِ أحياناً وبالفشلِ أحياناً أُخرى، تتذكَّر أنَّها رحلت دون أن تهب لموطنها وأهله ما كانت تستطيع فعلاً أن تُعطيه.

أتبكي حالها وذاتها التي فقدتها منذ رحلت، أم تبكي أهلها وموطنها الذي لم يشهد بعدُ بصمتها؟

أم كان عليها أن تبكي مستقبلها الذي قد تخسره في أيَّة لحظةٍ لطالما خسرت نفسها؟

ما كان يخفِّف من ذنبها أنَّها نشأت في زمانٍ قلَّما يوجد أو لا وجود لِما يُسمَّى "باستثمار العقل" فيه، وحده الفيلسوف من بين كل البشر قادر على تحليل التَّغيرات اللامنطقية وغير المسبوقة التي كانت تطرأ على العقول والنفوس البشريَّة.

كانت تُعزِّي نفسها وتخاطبها أنَّها لم تكن تملك الوقت الكافي لذلك، لعلَّها كانت تقول "الظُّروف هي من منعتني" لتخفِّف عن نفسها، لكن شعور الفشل يعاودُ السَّيطرة عليها مراراً وتكراراً ويذكِّرها أنَّها قد فشلت فحسب..
راحت تُحاول استعاد عزيمتها، وإعادة هيكلة حياتها وتجديد أملها تدريجياً..

وما الذي أصعبُ من استعادِ العزيمةِ والخروج من قوقعة اليأس؟

قلَّما تجد أُناساً قد تعافوا تماماً من يأسهم وقرَّروا مواجهة الحياة مجدَّداً بمحضِ عرقلاتِها، همومِها ومتاعبِها.
إنَّه الحلم والإيمان بالقدرات والرغبة في البناء والعطاء.. تلك هي وصفة استعادة النَّفس قبل استعادة العزيمة.
أن يكون لكَ حلمٌ تسعى نحوه وتُخطِّطُ له، ورغبةٌ في بناء ذاتك والعالم من حولك، وحافزٌ داخليٌّ يدفعُك للبذل والعطاء، وكذلك إيمانُك بقدراتك وبخالقك سبحانه الذي إذا أُغلقت أمامَك الأبوابُ جميعُها لن يُغلق بابُه ولن يتركَكَ سُبحانَه تائهاً حائراً وضائعاً في رحابِ أفكارِكَ والأرض.

ولكن سُرعان ما امتلأ قلبُها يقيناً أنَّه ما زال بإمكانها أن تُعطي الكثير.. أكثر ممَّا تتوقَّع.

لعلَّ يقينها، إصرارَها، أملَها، وإيمانَها بقدراتها قد فجَّرت تيَّارات عكسيَّة جعلتها تُخمد نيرانَ خنوعِها لليأس والفشل،
لقد خاضت حرباً داخلها لم تشهد لها مثيلاً، حرباً كان اليأس والخنوع من أقوى محاربيها.

أُصيبت بجراحٍ عدَّة في ظلِّ المعركة وقد جعلت من إرادتِها ضماداً لها، لم تكن لتتصدَّر المعركة لولا إصرارها على همِّها الأكبر في البناء والعطاء والكدح للارتقاء.

ها هي الآن قد تجاوزت خطَّ الخطرِ وشَرَعَتْ في إعادةِ بناءِ ذاتِها، مستقبلِها، والعالم من حولها، تتعلَّم وتُعلِّم، تُساعد وتُصلح، تهبُ وتُعطي على قدر استطاعتها.

فكانت كلَّما وهبَتْ للعالم ما تعلَّمت، تعلَّمت بقدر ما وهبت إنْ لم يكن أكثر.

لعلَّه حال العديد من الشُّبَّان، منهم من ذاق مرارةَ العيشِ في بلدٍ لا يُحسد عليه، لكنَّه بعزيمته الحازمة وصموده وطموحه اللامتناهي الحدود بالوصول إلى الأهداف المرجوَّة وتحقيق أسمى الإنجازات جعل من جحيم حياته وقوداً يُشعل به فتيلة أملٍ يُنير بها ظلمةَ مستقبله.. فبدا وكأنَّه كتلةُ أملٍ تُجدِّدُ نفسها بظرفها.

يُصرُّ على الكدح والعطاء دون مقابل؛ لأنَّه على يقينٍ تامٍّ أنَّ الله لا يضيع أجر مثقالِ ذرَّة..
فكيف من عمل بإخلاصٍ لوجهه تعالى، وبذل ما في وسعه للنُّهوض بأرضه ومن حوله والارتقاء بعِلْمِه وعالَمِه؟
أولئك لن تجد حقَّاً ما يفزعهم أو ما يهدِّد عالمهم الخاص.

فمن امتلك مفتاح حياته وسرَّ عطائه لن تخذله الأيَّام ولا السُّنون ما دام عطاؤه هذا خالصاً لوجه الله سبحانه، هو على يقينٍ أنَّ من عمل بصدقِ النّيةِ وإحسانٍ لا بُدَّ أن يُلقى بالإحسان، لكن ما زال على الإنسان أخذ الحذر من سيوف الأيَّامِ الغامضة وسهامها التي قد تفتك به.

فهب للعالم ما استطعت، يهبُك الوهَّابُ من حيثُ لا تحتسب..

اقرأ انصح، أرشد وأصلح، علِّم وتعلَّم، لن تخسر شيئاً، ستجدُ نفسك تكسب بقدر ما تُعطي بل وأضعافه..
مجِّد أعمالك صغيرةً كانت أم كبيرة، ستجد نفسك قد مُنحتَ نشوةً داخلية تدفعك للعطاء أكثر فأكثر..
استثمر شبابَكَ، وطاقاتكَ، وجهودكَ، وعلمَكَ، ووقتَكَ في كلِّ ما تعتقده مصدراً للارتقاء بذاتك ومن حولك،
لا تبخل بعلمك وقدراتك وجهودك على أحد، العالم بحاجةٍ إليك!!

نعم، أنت من يحتاجه العالم كي يرتقي وترتقي أنت، فتستمدُّ قوَّتَك بعطائكَ، بما تهبُهُ للغير،
فكُن من تحلم أن تكون واعمل جاهداً لذلك، فإنَّك ستُسألُ عن عمرِك فيما أفنَيْتَه!..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد