الأذان لا يُشعل الحرائق

الملائكة لن تحرر الأقصى، والحرائق لا تطرد محتلاً، وأشجار الغابات المحترقة فلسطينية الهوي، ومنع الآذان لا يشعل الحرائق، وإقامته لا تطفئها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/26 الساعة 06:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/26 الساعة 06:04 بتوقيت غرينتش

يتعامل الكثيرون مع الأحداث المحيطة بهم بالقطعة، فسيول رأس غارب مثلاً هي كارثة طبيعية تحدث في أماكن كثيرة، أما حرائق الصهاينة بفلسطين المحتلة فهي انتقام وعقاب إلهي. لو كان الأمر معكوساً، فالحريق في رأس غارب والسيول في حيفا، لانعكس الأمر أيضاً تلقائياً، وقتها كان الحريق سيكون كارثة مثل أي كارثة تحدث في هذا العالم، ولكانت السيول عقاباً إلهياً للصهاينة.

في السياق نفسه، يَعُد المتعاطفون مع تيارٍ ما موت أبناء تيارهم دلالةً على حسن عمله ونقاء ضميره، ومن ثَمّ كان الاختيار الرباني له لمجاورة الأنبياء والقديسين والشهداء في الجنة، أما موت أعدائهم فهو انتقام إلهي ودلالة على سوء عملهم وغضب الله عليهم.

حسناً، دعني أخبرك -يا صديقي المتحمس- بشيء بديهي للغاية قد يعده البعض مفاجئة: السيول والحرائق والموت كلها ظواهر طبيعية، مثلها مثل الزلازل والبراكين وباقي الكوارث التي نشهدها يومياً، ولا علاقة لها بجنسية أو بديانة المتعرضين لها، فأزعم مثلاً أننا لو استبدلنا سكان اليابان المشركين بآخرين مسلمين لاستمرت الزلازل باليابان، وما عصم إسلامُ سكانِها أرضَها من ضربات الزلازل التي تطرقها باستمرار، فسبب الزلازل أن اليابان تصادف وقوعها في منطقة معروف عنها دوام اضطراب صفائحها الأرضية، لا أن سكانها كفرة فاسقين.

يكشف تهليل وفرح الكثير من المسلمين والعرب ونشوتهم بحرائق حيفا الأيام الماضية عن درجة عالية من قلة الحيلة وصل إليها الأعداء التقليديون لإسرائيل المحتلة في البلدان الإسلامية والعربية لا أكثر، كما يكشف حجم التواكل والضعف الذي وصلوا إليه، حتى صاروا لا يملكون سوى الاحتفال بضربات الطبيعة لأعدائهم من فرط عجزهم عن توجيه تلك الضربات للصهاينة المحتلين بأنفسهم.

على الجانب الآخر، تكشف الخسائر الإجمالية لتلك الحرائق عن جانب آخر من القصة أغفله الجميع، فبنظرة أوسع لما حدث يمكننا المقارنة بين النتيجة الإجمالية لكارثة حيفا وكارثة رأس غارب مثلاً، مصابان اثنان باختناق بسيط في حريق حيفا، في مقابل قرابة 15 متوفياً و50 مصاباً في سيول رأس غارب.

أعتقد أنه في حال المقارنة وبحسابات رياضية بحتة بين نتائج الكارثتين، لو اعتبرنا إحداهما عقوبة إلهية فستكون السيولَ التي قتلت المسلمين في محافظة البجر الأحمر لا الحرائق التي التهمت أشجار الفلسطينيين في غابات حيفا.

وأعتقد أيضاً أنه لو أثبتت الحرائق شيئاً فلربما تُثبت أن الله لا يحابي أحداً بناء علي دينه وملّته في مواجهة مثل تلك الكوارث، فالصهاينة نجحوا في احتواء الكارثة وإخلاء المنازل ومنْع أي خسائر بشرية؛ لأنهم اعتمدوا علي العلم والمادة، بينما المسلمون في رأس غارب لم يُغنِ عنهم إيمانُهم شيئاً مع ضعف إمكاناتهم وتأخّرهم.

بالمنطق نفسه الذي اعتبر حريق حيفا ردّاً سماوياً، يمكن اعتبار كارثة سقوط رافعة الحرم التي قتلت العشرات عقاباً إلهياً للحجيج، وتفجيرات المساجد انتقاماً ربانياً من المصلين، وبمنطق متعقّل سنعتبر سقوط رافعة الحرم إهمالاً، وتفجيرات المساجد إرهاباً، وحريق حيفا حريقاً صعب الإطفاء، لا أكثر ولا أقل.

برأيي، الاتجاه الغالب الذي تعامل مع الحرائق باعتبارها نصراً إلهياً، ما هو إلا نتيجة مباشرة للتغييب الثقافي المتعمد لشعوبنا، والوعي المتدني، والجهل الذي حرصت الأنظمة الفاشية ورجال الدين على السواء على إغراق تلك الشعوب به وإبقائها تحت وطأته.

الملائكة لن تحرر الأقصى، والحرائق لا تطرد محتلاً، وأشجار الغابات المحترقة فلسطينية الهوي، ومنع الآذان لا يشعل الحرائق، وإقامته لا تطفئها.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد